« مسرحية شربات أبو حلاوة » .. عرض مسرحي لفرقة مستقلة بمقايس إستثنائية على خشبة مسرح تياترو أفاق
أحمد حمدي
تواجه فرق المسرح المستقلة المصرية منذ سنوات حالة من التردي الواضحة ، ولم ينجح صناعها حتى الاَن في إحداث الطفرة التكنولوجية والتطور الذي يواكب المسرح العالمي ، وهذا ما وضع المسرح المستقل في مكانة بائسة مقارنة بالسينما التي شهدت نقلة كبيرة على مستوى دور العرض ، مما جعلها تحافظ على حجم روادها وإيراداتها أمام كل العقبات … كما أن الفقر الذي يعانيه المسرح المستقل يمثل عقبة أيضاً أمام مشاركة العديد من النجوم الشباب فيه حتى الاَن ، وأغلبهم لا يفضلونه لأنه لا يواكب طموحهم قبل أي شيء .
ولكن فريق كلاسيك للعروض المسرحية كان له رأي آخر ورؤية جديدة إستثنائية في العرض المسرحي ” شربات أبو حلاوة ” ، فقد إستطاع المسرحيون المستقلون المصريون الشباب أن يحدثون تحولاً في الحركة الفنية .
فمسرحية ” شربات أبو حلاوة ” حاملة العديد من الدلالات ، أهمها أن المسرح والفن عموماً إبن التجديد والمغامرة والإنصات إلى صوت العصر ، فقد ظهرت تجارب جديدة يقدمها الشباب والهواة أكثر إتساقاً مع لحظتها الراهنة وإستجابة للمتغيرات حولها ، وهم يتفوقون من خلالها على المحترفين ويحصدون إستحسان وإقبال الجمهور ، في ما يمثل جرس إنذار للكبار الذين لم يستوعب أغلبهم أن مياهاً كثيرة جرت في الأنهار ، وأن ما كان صالحاً بالأمس لم يعد مثيراً للدهشة اليوم .
ربما تكون أهم مشكلة يعانيها بعض كبار المسرحيين في مصر هي تصوراتهم المبالغ فيها عن أنفسهم ، ورفضهم أي ملاحظة نقدية حول أعمالهم ، بل إن أحد النقاد إذا تجرأ ووجه ملاحظة ولو عابرة إلى عرض مسرحي لمخرج معروف ، تحل قطيعة بين المخرج والناقد .
المسرحيون المخضرمون في مصر ينظرون إلى النقد بإعتباره ” موضوعاً إنشائياً ” لا ينبغي به تحليل عناصر العرض وبيان مدى فاعلية هذا العنصر أو ذاك ، ودوره في التخديم مع غيره من العناصر على صورة العرض ككل ، فمهمة الناقد في نظرهم هي تدبيج مقالات تلخص العرض وتشيد بصنّاعه وتطلق عبارات من عينة ” كان العرض رائعاً والتمثيل بديعاً والإخراج عظيماً والديكور موظفاً بشكل مثالي ” ، وغير ذلك من أحكام القيمة المجانية التي لا تستند سوى إلى ” الهوى الشخصي ” أو تستند في الغالب إلى الكسل النقدي .
مثل هذه الكتابات هو ما يرضي غرور الكبار ويجعلهم سادرين في غيهم غير عابئين بتطوير تجاربهم لتلامس لحظتها الراهنة ، والحاصل أن أغلب هؤلاء الذين لا يقبلون سوى الإشادة على طول الخط يكررون أنفسهم بشكل عجيب ، وتكون النتيجة عند وضعهم على المحك والدخول في منافسة مع غيرهم من المسرحيين الجدد أن تتضح الفروق الكبيرة بينهم وبين أولئك الشباب ، وهي الفروق التي يحدثها إطلاع الشباب على تجارب المسرح حول العالم والسعي الدائم إلى إكتساب خبرات جديدة ، والإنفتاح على الآخر والأهم الإستجابة لوعي الجمهور الجديد .
في الغالب فإن أهم مشكلات المسرح المصري أو بمعنى أدق مشكلات صنّاعه الكبار تكمن في فكرة الإستناد إلى الماضي وعدم الإنصات بشكل جيد لـ ” صوت العصر” ، فحتى الآن مازال بعض المسرحيين القدامى يتحدثون عن مسرح الستينيات بإعتباره النموذج الذي يجب أن يحتذى به ، وهم لا يشاهدون المسرح أصلاً ويتعمدون إحداث قطيعة مع الأجيال الجديدة ، ويكتفون بذواتهم ويطلقون أحكامهم اليقينية التي لا تستند إلى أي منطق ، ولذلك فإنهم يظلون في أغلبهم إن شئنا الدقة ، محلك سر ، لا يقدمون أي جديد سوى إجترار الماضي والتباهي بما قدموه منذ عشرات السنين … هو كان جيداً ومدهشاً في حينه نعم ، لكنه لم يعد كذلك الآن في ظل المتغيرات الرهيبة التي طرأت وتطرأ كل لحظة ، سواء على مستوى التقنيات أو على مستوى طبيعة الجمهور نفسه وحساسيته المختلفة والقضايا التي تؤرقه ، أو غيرها من المعطيات الجديدة التي تتطلب إستيعاباً ومن ثم إستجابة إليها .
ولقد جاءت مسرحية « شربات أبو حلاوة » لتؤكد أن الشباب هم الأكثر حيوية وقدرة على تطوير تجاربهم ، وأن الفرق المسرحية المستقلة والحرة لديها القدرة على أن تحدث هزة في المياه الراكدة للمسرح المصري … وكأن فريق كلاسيك للعروض المسرحية كان من شأنه تحريك المياه الراكدة والنهوض بالحركة المسرحية .
وفي تصريح خاص للمؤلف والمخرج ” هاني يوسف ” مؤسس فريق كلاسيك للعروض المسرحية ، قال :
يتساءل الكثيرون حول الفرق بين المخرج المحترف ومخرج الهواة ، إن هناك فرقاً كبيراً بينهما ، وعلى الرغم من أنه لا يوجد ما يسمى بالمخرج الهاوي ، إلا أنه يجب أن يكون مثقفاً ولديه معلومات عامة ، ومعلومات مسرحية وأن يكون مدرباً ويقوم بعمل ورش وأن يعرف أسس الإلقاء والغناء والديكور وكل عناصر المسرح ، فالمسرح لم يعد إسمه ( فن المسرح ) بل أصبح علم ، يطلق عليه عبارة ( علوم المسرح ) وكل أقسام التمثيل في العالم تدرس تلك العلوم … وفي أقسام المسرح ، خاصة قسم الإخراج ، نجده مرتبطاً بالتمثيل ، حتى أنهم أنشئوا في معهد السينما قسماً للتمثيل ، ولكنه لم يستمر لأن التمثيل أساسي في عمل وتكوين المخرج ، فالمخرج يملك أدواته ، لكن الممثل يعمل بتلقائية ، إعتماداً على الموهبة والخبرة ، لكن المخرج شيء آخر ، لابد أن يملك وعياً ، وعلماً ومعرفة ، ليستطيع أن يدرب الممثلين ، ومن هنا تأتي أهمية أن يعرف بل ويفهم الموسيقى والفنون التشكيلية وعلم النفس ، ليستطيع تحليل المسرحية ، ومعرفة الشخصيات ، وحتى يستطيع التعامل مع الممثلين … ولذلك فان المخرج الهاوي الذي يرغب في الإخراج ، يقع عليه عبء كبيراً على العكس من المخرج المحترف ، فالإحتراف يحتاج ممثلين مدركين لكل خطواتهم وخبراتهم ، وهي بالفعل موجودة ، وبالتالي فإن معظم مشاكل المخرج المحترف تكون إدارية وقليلة ومشاكله أقل كثيراً من مخرج مسرح الهواة ، الذي يعمل بأجور زهيدة ويقف وراء الكواليس ، منتظراً فقط تقديم نفسه ، وبالتالي ينبغي علينا أن نتحدث عن كيفية إكتشاف الموهبة ، وكيفيه صقلها ، بمعنى ( أعرف نفسك ) الممثل المتميز هو من يستطيع أن يخفي عيوبه ، والمخرج المميز يساعده على ذلك ، ولكن هناك فرق بين الموهوب والموهوم ، فليس كل من قام بالتمثيل على المسرح موهوب … وأنا أرفض تماماً المتاجرة بأحلام الشباب الهواة .
مسرحية ” شربات أبو حلاوة ” من تقديم فريق كلاسيك للعروض المسرحية ، وهي بطولة كلاً من :
شيرين مكي ، محمد هاني ، أحمد عبد الصبور ، ساسو سمير ، مودي سالم ، مجدي الحسيني ، عادل عمار ، أمير عزمي ، حسام الشاعر ، محمد إبراهيم ، ممدوح مجدي ، يوسف هاني ، ريتا ماهر ، مصطفى عبادي ، سميرة طباسي ، منى أنسي ، ماريا جورج ، وجدي وهيب ، نيفين ريمون .
والعرض من تأليف وإخراج : هاني يوسف ، وإدارة مسرحية : سحر سمير ، وديكور : هاني يوسف ، وملابس : أمل جمعة ، وموسيقى : محمد إبراهيم ، وألحان : حسام الشاعر ، وسوشيال ميديا : شيري مكي .