مسرحية: “همس في أروقة القلعة”
تاليف اشرف توفيق
الشخصيات:
الملك ليونارد: ملك عجوز، يحمل هموم المُلك على كاهله، قلبه مثقل بالشيب لا بالترف.
الوزير ماركوس: رجل ذو ملامح حادة، يخفي وراء ابتسامته المفتعلة طموحًا لا يهدأ.
الأميرة إيلينا: ابنة الملك، نبيلة الروح، ترى الحق بقلبها لا بعينيها.
سير ريتشارد: فارس شريف، يتمسك بالمبادئ، وإن كانت الرياح تعصف بها.
الفصل الأول: ظل الشك
المكان: قاعة العرش في قلعة فخمة، ولكنها تبدو موحشة بعض الشيء. ضوء خافت يتسلل من نوافذ عالية.
الزمان: مساءٌ عاصف، تهب فيه رياح تحمل وشوشات مجهولة.
(الملك ليونارد يجلس على عرشه، يتأمل الصولجان في يده وكأنه قطعة حديد ثقيلة. يبدو مرهقًا، وعباءته الملكية تثقل كاهله أكثر مما تزينه. يدخل الوزير ماركوس بخطوات رشيقة، ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه، لكن عيناه تلمعان بمكر.)
ماركوس: (بانحناءة عميقة، صوته ناعم كالحرير) مساء الخير يا مولاي، يا شمس هذا المُلك وتاجه. هل من راحة لروحكم الكريمة بعد يوم حافل بأعباء الحكم؟
الملك ليونارد: (بصوت متعب) راحة يا ماركوس؟ وهل يعرف العرش راحة؟ هو قفص من ذهب، كل قضبانها مصنوعة من الشك والخيانة. اليوم سمعت همسات، كأنها نفثات أفاعٍ، تتحدث عن تمرد خفي، عن ولاء يتهاوى كأوراق الخريف.
ماركوس: (يرفع حاجبيه ببرود مصطنع) تمرد؟ حاشا لله يا مولاي! من يجرؤ على تدنيس قدسية عرشكم؟ إنها مجرد شائعات، أطلقها أعداء المملكة ليزرعوا بذور الفتنة. لعلها نفثات من الضجر، لا أكثر.
الملك ليونارد: (ينظر إلى ماركوس بعمق) الضجر، أم الخوف؟ قل لي يا ماركوس، هل يأتيني الخطر من الخارج، أم من ظل يقف جواري؟ لقد شاخت عيناي، لكن قلبي لا يزال يرى ما لا تراه الأبصار.
ماركوس: (يضع يده على صدره بإخلاص مبالغ فيه) روحي فداء لروحكم يا مولاي. أنا خادمكم المخلص، سيفي ودرعي. كل نبض في قلبي ينادي باسمكم.
(تدخل الأميرة إيلينا، وجهها يشع براءة، وعيناها تحملان قلقًا نبيلًا. يتبعها سير ريتشارد، يقف شامخًا، سيفه معلق بحزامه، وعيناه تراقب المشهد بيقظة.)
إيلينا: (تتجه نحو والدها، بصوت رقيق) أبي، هل أنت بخير؟ يبدو وجهك شاحبًا، وكأنك تحمل عبء العالم كله على كتفيك.
الملك ليونارد: (يتنهد) بخير يا ابنتي، بقدر ما يسمح به قدر ملكٍ يرى زوال مجده وهو على قيد الحياة. هناك ظلال تتراقص في أروقة القلعة، وأخشى أن تخنق نور الحقيقة.
ريتشارد: (بصوت حازم، ينظر إلى ماركوس بلحظة شك) الظلال يا مولاي، غالبًا ما تكون انعكاسًا لما في قلوب البشر. وليس دائمًا للظلام الحقيقي.
ماركوس: (يبتسم ابتسامة خفيفة، لكنها لم تصل إلى عينيه) كلمات فارس نبيل، سير ريتشارد. ولكن الحكمة تقتضي ألا نرى ما وراء الظل إلا عندما يشتد الظلام.
إيلينا: (تتجه نحو ماركوس، بنظرة مباشرة) وهل يخفي الظلام حقيقة مؤلمة يا وزير؟ أم أنه مجرد حجاب يلقيه الخوف على أعيننا؟
ماركوس: (يبتعد قليلاً، يتجنب نظرتها) الحق يا أميرة، مرير كالعلقم أحيانًا. والحكمة تقتضي أن نتقبله، مهما كان مؤلمًا.
الملك ليونارد: (يضرب الصولجان بالأرض بخفة) كفى جدالاً! أريد الحقيقة، مجردة من كل زخرف أو كذب. ماركوس، هل هناك خطر يهدد عرشي؟ خطر ينمو في السر، يتغذى على الثقة ويتربص بالغفلة؟
ماركوس: (ينحني ببطء، صوته يصبح أكثر جدية) هناك تقارير يا مولاي، عن تحركات مريبة في المقاطعات الشمالية. همسات عن رجال يجمعون الأسلحة، وعن ولاءات تتغير كاتجاه الريح. ولكنها مجرد همسات، لا دليل قاطعًا.
ريتشارد: (يخطو للأمام) الهمسات يا مولاي، قد تكون بداية عاصفة. يجب أن نتحقق، أن نرسل فرساننا للوقوف على حقيقة الأمر. الولاء ليس سلعة تباع وتشترى بالكلمات.
الملك ليونارد: (يغمض عينيه مرة أخرى، وكأنه يرى المشهد بوضوح) ريتشارد، خذ خير فرسانك. اذهب إلى الشمال. وابحث عن الحقيقة في وجوه الرجال، لا في أقوالهم. إيلينا، ابقي بجواري. قلبي يقول لي أن الخطر قريب، أقرب مما نتخيل.
(ينحني ريتشارد ويغادر القاعة بسرعة. إيلينا تضع يدها على كتف والدها بقلق. ماركوس ينظر إليهما، ابتسامته الخفية تتسع، وعيناه تلمعان ببريق مظلم. يسدل الستار ببطء على المشهد، بينما تتعمق الظلال في قاعة العرش.)
صوت من خارج المسرح: (صوت عميق، كأنه القدر يتحدث) عندما يرقص الشك في بلاط الملوك، تتبعثر الحقيقة كحبات الرمل في مهب الريح. والعروش، وإن بدت شامخة، لا تملك من الثبات إلا قدر ما تسمح به خيانة الأقربين.