مسرحية: “ظل الفكرة” تأليف سماح رجب
مسرحية: “ظل الفكرة”
تاليف سماح رجب
الشخصيات:
عمران: فيلسوف مسن، يجلس في كرسي خشبي عتيق، عيناه تحملان هموم القرون.
نادية: شابة جامعية، حيوية ومتسائلة، تحمل بين يديها كتابًا قديمًا.
المشهد الأول
المكان: غرفة مكتبة صغيرة، تعج بالكتب القديمة. نافذة كبيرة تطل على فناء هادئ، تتخلله أشعة الشمس الخافتة.
الزمان: منتصف النهار.
(يجلس عمران في كرسيه، عيناه شاخصتان في الفراغ. تدخل نادية بتردد، تقترب من طاولة عليها بعض المخطوطات القديمة.)
نادية: (بصوت متردد) أستاذ عمران؟ هل أنتَ هنا؟
عمران: (لا يتحرك، صوته يأتي كصدى من بئر عميق) وهل هناك مكان آخر أكون فيه سوى هنا، بين رفوف العقل البشري؟ قولي لي يا صغيرتي، هل جئتي تبحثين عن إجابة، أم عن سؤال جديد؟
نادية: (تضع الكتاب بحذر) جئت أبحث عنك، وعن الفكرة. قرأت في كتابك هذا، “فكرة الوجود هي وجود الفكرة”، ولم أفهم. ما الفرق بين الظل والحقيقة في عالم الأفكار؟
عمران: (يلتفت ببطء، ينظر إليها بعمق) فرق؟ أهو فرق حقاً، أم مجرد وهم يشي به العقل؟ الفكرة يا نادية، هي بذرة كل شيء. وقبل أن تتجسد في هذا العالم المادي، هي مجرد… ظل.
نادية: ظل؟ ولكن الظل لا وجود له بذاته، إنه يتبع شيئًا آخر.
عمران: (يبتسم بمرارة) وهل الوجود بذاته، يا نادية، إلا ظل لفكرة أكبر؟ فكرة أزلية، كونية، لا نستطيع أن ندركها إلا من خلال ظلالها التي نراها حولنا. هذا الكرسي الذي أجلس عليه، هذه الكتب، أنتِ… كل هذا ليس إلا ظلالاً لأفكار كامنة في عقل خالق عظيم.
نادية: (تبدو حائرة) هذا محير جدًا. إذا كانت كل الأشياء ظلالاً، فماذا عن أفكارنا نحن؟ هل هي ظلال لظلال؟
عمران: (يهز رأسه ببطء) لا. هنا يكمن سر الإنسان. أفكارنا نحن، هي المحرك الوحيد الذي يستطيع أن يحول الظل إلى مادة، وأن يخلق من اللاشيء شيئًا. عندما تفكرين في لوحة، ثم ترسمينها، فهل اللوحة حقيقة أم فكرة؟
نادية: هي فكرة تحولت إلى حقيقة مرئية.
عمران: بالضبط! وهنا يكمن جوهر العبث والجمال في الوجود. نحن نبني حياتنا على أفكار، نجعلها واقعًا، ثم نكتشف أنها مجرد ظلال لأفكار أخرى أكبر. فنظل نبحث، ونبني، ونهدم، في حلقة مفرغة من البحث عن المعنى.
نادية: (تحدق في الكتاب، ثم في عمران) وكيف نخرج من هذه الحلقة؟
عمران: (تتسع ابتسامته، يغمض عينيه للحظة) لا نخرج. بل نتعلم كيف نرقص مع هذه الظلال. نتعلم أن ندرك أن جمال الحياة ليس في امتلاك الحقيقة المطلقة، بل في السعي الدائم نحوها، في خلق ظلالنا الخاصة التي قد تضيء عتمة الآخرين. إنها مسرحية كبرى، يا نادية، ونحن مجرد ممثلين على خشبتها، نصنع ظلالنا ونشاهد ظلال الآخرين. الأهم هو أن يكون الظل الذي نصنعه… يستحق أن يُرى.
(تنهض نادية ببطء، تنظر إلى عمران بتقدير عميق. تمسك الكتاب بيدها وتتأمله. يبدو أن الكلمات قد أحدثت في نفسها شيئًا ما.)
نادية: (بهدوء وثقة) ربما عليّ أن أبدأ في صناعة ظلي الخاص إذن.
عمران: (يفتح عينيه، يرى بصيص أمل في عيني نادية) وهذه هي بداية الحكمة يا صغيرتي. ابحثي عن الفكرة التي تضيء روحك، ودعيها تلقي بظلها على هذا العالم.
(تنحني نادية قليلاً، ثم تغادر الغرفة بهدوء، تاركة عمران وحده مع أفكاره وظلاله. تبقى أشعة الشمس الخافتة ترقص على رفوف الكتب، كأنها ظلال لأفكار تنتظر من يحييها.)
============