المسرحية الشعرية في محطة مصر .. تعيد الدور الحيوي للمكان سواء على مستوى النص أو العرض
أحمد حمدي
يستعد مسرح تياترو أفاق على إستقبال المسرحية الشعرية ” في محطة مصر ” وذلك للعرض في أول أيام شهر فبراير الجاري، حيث من المنتظر أن تفتح الستار في تمام الساعة السادسة مساءً.
إن المكان يمثل جزءاً أصيلاً من حياة الإنسان، والمسرح ينقل تجربة هذا الإنسان؛ لذا فقد إكتسب المكان أهمية واضحة في المجال المسرحي، فللمكان الدرامي أهمية واضحة، ليس على المستوى الجغرافي ( المادي ) فحسب، بل على المستوى الفكري الذي يقدمه المؤلف ويبلوره المخرج.
ولأهمية المكان والدور الحيوي الذي يمثله خاصة في النص والعرض، برزت خصوصية المكان في الأعمال الروائية والسردية العربية من خلال أكثر من عمل إبداعي أصبح كل منها علامة بارزة في تاريخ السرد العربي.
المسرحية الشعرية ” في محطة مصر ” مأخوذة عن المسرحية الشعرية ” ثنائية الليل والسكين ” للشاعر والمؤلف المتميز ” محمد المساعيدي “، والعرض المسرحي من تقديم فريق صوت الجنوب.
مسرحية ” في محطة مصر ” بطولة كلاً من :
مجدي شكري ، مجدي عبد الحليم ، أحمد عبد الصبور ، حمزة خاطر ، ديانا عادل ، مريم موسى ، ميشيل نبيل ، موني فرج ، ماري محفوظ ، سميح ولسون ، علاء رمضان ، سامي سلوم ، سلوى ميلاد ، بشاي ميلاد ، بيتر سمير ، جي جي منير ، ممدوح أمين ، جرجس كمال … والمطرب : مانو جرجس .
والمسرحية من تأليف : محمد المساعيدي ، وإخراج : عريان سيدهم ، والمخرجان المنفذان : كرم بولس ، بيشوي حليم ، ومصمم الإستعراضات : سامي ثابت ، وموسيقى وألحان : ناصر الشباوي ، وإشراف فني : سلوى ذكري .
وفي تصريح خاص مع المخرج ” عريان سيدهم ” قال :
المسرح إبداع والإبداع تجربة … و لاشك أن المسرح هو تجربة إنسانية متحولة بشكل مستمر، وما يؤكد هذا الكلام هو التجريب الدائم والمغامرة المستمرة مع الجديد إن لم نقل التمرد الجدي من نوعه على قواعد هذا الفن بقيادة المخرج لا الكاتب، بغية تجديد علاقته بشريكه الوفي الجمهور عن طريق إستخدام التقنيات المسرحية الشعبية القريبة من أذواق الناس والمتفرج بإعتباره مفتاح العرض المسرحي، وبعيداً عن التنميط والجمود والإنحصار في قوالب محددة، فالقالب يقيد الإبداع ويحاصر المبدع …
لذلك تم إستخدام أحدث التقنيات في مسرحية ” في محطة مصر ” … حيث أن التقنيات الحديثة عندما تستخدم لخدمة المسرح، فإنها تأتي برؤى جديدة وآليات جديدة، فالتقنيات تنمي فكرة الخوارق بإستدعائها للخيال الذي يحلق في غير المألوف وغير المتوقع، كذلك لم تعد هذه التقنيات ضرورية لتقديم العرض المسرحي فحسب، بل تقوم بتوفير إمكانات جديدة لإتاحة الرؤية الخيالية سواء بالنسبة للمشاهد أو الممثلين، فالعرض المسرحي هو صناعة عوالم أخرى تختلف عن الواقع المحيط أو تشابهه، إنها عوالم خاصة مصنوعة بحرفنة عالية، وبذوق الفنان وحسه الجمالي الأصيل وبخيالاته التي تصل إلى أفق متقدمة في التجربة الإنسانية، إذ يقودنا العرض المسرحي إلى إستكشاف كيفية تحول الخيال، أو ما يفوق الخيال إلى واقع، وهو يدفعنا إلى إستكشاف العلاقة بين الواقع وبين الصور المختلفة التي نعرف من خلالها هذا الواقع.
وأضاف ” عريان سيدهم ” قائلاً :
المكان في ذاكرة الإبـــــــداع … ليغدو المكان بهذا المعني المسرح الذي تجول فيه النصوص الإبداعية … ومن المكان ينبثق الإبداع، ومن ملامحه تتكون رؤية وفلسفة المبدع أياً كان مجاله …
ففي محطة مصر تشاهد يومياً في هذا المكان الشهير والمعلوم للجميع شخصيات تمثل كل فئات المجتمع … وقد تم توظيف التقنيات الفنية الحديثة بصورة مبهرة لنقل الأفكار السياسية والإقتصادية والإجتماعية عن كل شخصية التي تعد رمزاً لكل فئة من فئات المجتمع، حيث يمزج العرض المسرحي بين تقنيات السينما والمسرح والإيماءات والحركة، لتمرير رسائل وأفكار تنتقد الإنصياع والتيه، ويعالج ضياع الإنسان المعاصر بين الأفكار والمبادئ وموقفه من الوقت، وإدمانه الإنتظار دون الوصول، بل يقدم صورة للإنسان المسخ الذي يتحول ويفقد حتى حقيقته، سواء بفعل فاعل أو بإرادته … لقد بنيت المسرحية على ديكور ثابت ومتحرك لمنظر في محطة القطار، ومن رمزيتها، يمكن إسقاط العرض على أي إنسان في أي مكان من الأرض في الوقت الحالي.
وفي تصريح خاص مع الشاعر والمؤلف ” محمد المساعيدي ” قال :
يمثل ” المكان ” حجر الزاوية وبداية خيط الإلهام لدى كثير من الروائيين والمسرحيين وكتاب القصة في العالم، بل إن هناك روايات حملت أسماء أماكن وخلدتها، وفي الأدب العربي يبرز أيضاً دور المكان ويتحول من مجرد إطار جغرافي تدور فيه الأحداث إلى ملهم للروائي أو القاص، وأحد العناصر الرئيسة في العمل الإبداعي الذي تدفعه للأمام.
وبرزت خصوصية المكان في الأعمال الروائية والسردية العربية من خلال أكثر من عمل إبداعي أصبح كل منها علامة بارزة في تاريخ السرد العربي مثل ثلاثية : ” بين القصرين ” و ” قصر الشوق ” و ” السكرية “، بالإضافة لـ ” خان الخليلي “، و ” زقاق المدق “، و “القاهرة 30 ” لـ ” نجيب محفوظ “، و ” لا أحد ينام في إسكندرية ” لـ ” إبراهيم عبد المجيد “، و” إسكندريتي ” لـ ” إدوار الخراط “، و ” بيروت مدينة العالم ” لـ ” ربيع جابر “، و ” ثلج القاهرة ” لـ ” لنا عبد الرحمن ” … وغيرها من الأعمال الروائية والسردية البارزة في تاريخ الإبداع والأدب العربي التي حملت أسماء أماكن.
وبعد تطور فن القصة في الأدب العربي الحديث والمعاصر أصبح المكان جزءاً رئيسياً من النسيج القصصي والروائي الذي لا يمكن أن يتم السرد بدونه، حيث تأكد في أشكال السرد الحديثة والمعاصرة في الأدب العربي دور ” المكان ” من خلال تضافره مع الحدث والمشاركة في صياغته، ثم تحول المكان إلى عنصر جذب في العمل السردي يجذب له القراء خاصة إذا كان القراء ينتمون إلى هذا المكان.
وأضاف ” محمد المساعيدي ” قائلاً :
” المكان ” بطل الروايات وملهم الكُتاب وجاذب القراء … حيث أن المكان جزء رئيسي من النسيج القصصي والروائي الذي لا يمكن أن يتم السرد بدونه … لأن الأدب الجيد هو جغرافيا جيدة.
لذلك فجماليات المكان في المسرح الشعري ذات طبيعة مزدوجة، فهي من ناحية تتعامل مع المكان كإطار ( يشترك مع الزمن )، ومن ناحية ثانية تتعامل مع المكان داخل الصورة الشعرية … من هنا كانت جماليات المكان جماليات تشكيلية، وظيفية.
حيث يكشف المكان عن تواصل زمني معه، فلا مكان بدون زمانه … ففي نفس الوقت الذي تدمر الصورة الشعرية العلاقة المنطقية بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتتحول إلى ” زمكانية ” وجودية خاصة بتكوينها، وهي قادرة على أن تحول الزمان إلى مكان، والمكان إلى زمان بفضل ما تتميز به من قدرة على تخطي حواجز الزمان والمكان، وإبدالهما في وجود جديد.
وما يهمنا هنا هو قدرة الصورة الشعرية على خدمة النص المسرحي الذي يعمد أساساً إلى وضع ” بصري “، يقوم المكان فيه بدور كبير، حيث تلجأ الصورة الشعرية إلى تحطيم الزمن ( ماض، حاضر، مستقبل )، إلى جانب تحطيم ( المكان )، بل تحول كليهما إلى الآخر … وهي في هذا تقوم بدور ” المونتاج ” في الفيلم، حيث تحاول الصورة الشعرية خلق المشهد والمساهمة في رعه مع بقية الأدوات المسرحية الأخرى، إلى جانب أنها تقوم بوظائف عديدة في تشكيل النص الدرامي ثم عند تنفيذه مسرحياً.