منوعات

مسرحية بصيص امل في المدينة الصامتة بقلم شهد اشرف

بصيص أمل في المدينة الصامتة

مسرحية بقلم

شهد اشرف

الشخصيات:

سارة: شابة في أوائل العشرينات، عيناها تعكسان يأسًا خفيًا، تعمل في مقهى صغير.

الحكيم: رجل مسن، هادئ، وعيناه تلمعان بحكمة السنين، يرتاد المقهى يوميًا.

المشهد الأول

المكان: مقهى صغير يبدو عليه الزمن، بعض الطاولات والكراسي الخشبية.
الزمان: مساءً، أضواء المدينة الخافتة تتسلل عبر النافذة.

(سارة تمسح الطاولات ببطء شديد، يبدو عليها الملل واليأس. تضع سماعات أذن وتستمع لشيء ما. يدخل الحكيم كعادته، يتجه نحو طاولته المفضلة في الزاوية، ويجلس بصمت.)

سارة: (تخلع سماعات الأذن وتتجه إليه بصوت خافت بالكاد يسمع) طلبك المعتاد يا عم؟ قهوة سوداء سادة؟

الحكيم: (يبتسم بهدوء) نعم يا ابنتي سارة. وكيف حال قلب المدينة الليلة؟ هل لا يزال ينبض بالأمل؟

سارة: (تضع القهوة أمامه، ثم تتنهد) لا أعرف يا عم. أشعر وكأن المدينة كلها أصبحت صامتة، حتى ضجيجها أصبح مجرد صدى. الكل يركض، لكن لا أحد يعرف إلى أين. وأنا… أنا فقط أدور في نفس الدائرة.

الحكيم: (يتناول فنجان القهوة ويحتسيه ببطء) الدوائر يا سارة، قد تكون طرقًا مغلقة، وقد تكون بداية لولب يصعد بك نحو الأعلى. الأمر كله يعتمد على كيف تنظرين إليها.

سارة: (تجذب كرسيًا وتجلس أمامه، يبدو عليها الفضول) ولكن كيف أرى ذلك؟ كل ما أراه هو روتين قاتل، وأحلام تتبخر مع كل يوم جديد. الناس من حولي يبدون سعداء، ناجحين، وكأنهم وجدوا مفتاح هذه الحياة السعيدة، وأنا أبحث عنه عبثًا.

الحكيم: (يضع الفنجان، وينظر إليها بتمعن) هل تبحثين عن المفتاح في جيوب الآخرين، أم في قفل بابك أنتِ؟ السعادة ليست شيئًا نجده في الخارج، هي بصيص نور نوقده من الداخل.

سارة: (تنظر إلى يديها) أوقده من الداخل؟ كيف؟ أنا لا أرى أي نور.

الحكيم: (يشير بإصبعه نحو النافذة حيث أضواء المدينة البعيدة) هل ترين تلك النجوم الخافتة في السماء؟ بعضها مضى عليه آلاف السنين حتى وصل نوره إلينا. وبعضها يحاول جاهدًا أن يضيء، لكن ضوء المدينة يحجبه. الأمر لا يعني أن النجوم غير موجودة، فقط تحتاج منا أن ننظر إليها بتمعن أكبر، أو أن نبتعد عن ضجيج الأضواء الكاذبة.

سارة: (صامتة لبرهة، ثم تتحدث بصوت أكثر حزمًا) أنا لا أريد أن أكون نجمًا يحجب ضوؤه. أريد أن أكون نجمًا يضيء.

الحكيم: (يبتسم ابتسامة عريضة) هذه هي البداية يا سارة. ابحثي عن بصيص النور الخاص بكِ. ما هو الشيء الذي يجعلكِ تشعرين بالحياة، بالرغم من كل هذا الصمت؟ ما هي الشرارة التي لا تنطفئ في داخلكِ، حتى لو كانت صغيرة جدًا؟

سارة: (تتأمل، ثم تتذكر شيئًا، وتظهر على وجهها ابتسامة خجولة) أحب أن أكتب. كنت أكتب قصصًا قصيرة عندما كنت صغيرة. كانت تلك اللحظات الوحيدة التي أشعر فيها أنني أستطيع أن أخلق عالمًا خاصًا بي.

الحكيم: (يهز رأسه موافقًا) إذًا، هذا هو بصيص نورك. لا تتركي ضجيج المدينة أو آراء الآخرين تخفت وهجه. ابدئي بالكتابة مرة أخرى. حتى لو كانت كلمات بسيطة، أو قصة قصيرة واحدة. تذكري، بصيص الأمل يبدأ دائمًا بخطوة واحدة، حتى لو كانت صغيرة، في الاتجاه الصحيح.

(تنهض سارة، وقد تغيرت نظرة عينيها، عاد إليها بعض البريق. تذهب خلف المنضدة وتخرج دفترًا صغيرًا وقلمًا كانت قد خبأتهما سابقًا.)

سارة: (تتجه نحو الحكيم، تحمل الدفتر والقلم، بنبرة صوت مختلفة، مليئة بالأمل) شكرًا لك يا عم. ربما حان الوقت لأضيء نجمي الخاص.

الحكيم: (يشرب آخر قطرة من قهوته، ثم ينهض بهدوء) الحياة رحلة، وكل لحظة فيها فرصة لإضاءة شمعة جديدة. لا تستسلمي لصمت المدينة يا سارة، بل اجعلي صوتكِ وكتاباتكِ جزءًا من لحنها الجميل.

(تومئ سارة برأسها بتصميم، وتبدأ في تدوين بعض الكلمات على دفترها. يبتسم الحكيم وهو يغادر المقهى، وتتبع سارة بصره. تنظر إلى الدفتر بيدها، ثم إلى المدينة الصامتة خارج النافذة، ولكن هذه المرة بنظرة مليئة بالأمل والتحدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى