من يتبرع بجزء من أملاكه لرؤية البحر؟ بقلم د. عبدالله صادق دحلان
مصلحة المجتمع «مواطنِينَ ومقيمِينَ وزوَّارًا»، فوق كل المصالح الشخصيَّة، وشواطئ جدَّة تملَّكها بعض الميسورين منذ عشرات السِّنين بأموالهم الخاصَّة لمنفعة شخصيَّة لمساحات تكفي لآلاف الأشخاص، وهو حق لهم، إلَّا أنَّه بالوقت نفسِهِ احتكار منفعة لعددٍ بسيطٍ من الأشخاص، وامتدَّت يد البعض الآخر على أملاك الدَّولة بحُكم الجيرة لأملاكهم، أو على مبدأ الإحياء لمنفعةٍ خاصَّةٍ، ومع مرور السِّنين وغياب الرَّقيب تحول حق الدولة وحق المجتمع إلى حق المتنفِّذين لمصالحهم الخاصَّة، حتَّى أتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وبقوَّة النِّظام عادت الحقوق لأهلها، والسَّماح لسكَّان جدَّة وزوَّارها باستخدام حقِّهم في رؤية البحر، والغوص في أعماقه، بعد استعادة ملايين الأمتار المعتدَى عليها من الواجهةِ البحريَّة لمدينة جدَّة، متمنيًا أنْ يُعاد تأهيلها لتكون شواطئَ مفتوحةً مع خدماتها العامَّة، وأنْ لا تتحوَّل إلى مشروعات سياحيَّة بتكلفةٍ عاليةٍ على المواطنِين، وإنَّما تكون متاحةً لجميع الفئات في المجتمع، الحقيقة أنَّ نشاط أمانة مدينة جدَّة في إعادة الأراضي المغتصبة من أملاك الدَّولة على البحر؛ هو أهم خبر سار يتناقله المواطنُون، والمقيمُون، وزوَّار جدَّة خلال الشهر الماضي، ولازال العمل قائمًا، وإنْ كانَ هو خبر سيئ ومزعج جدًّا للمغتصبِين للشواطئ بدون حقٍّ شرعيٍّ يمنحهم ملكيَّة هذه الأراضي أو استخدامها، وهي معضلة اقتصاديَّة لبعض رجال الأعمال المستثمرين في أراضٍ لا يملك مؤجِّروها حقَّ الإيجار لها لعدم ملكيتهم للأرض.
ورغم أنَّني سبق وأنْ كتبتُ مقالات في الموضوع نفسه، إلَّا أنَّ موضوعي اليوم آخر، وهو اقتراح أقدِّمه لبعض ملَّاك الأراضي على البحر، الذين لديهم صكوكٌ شرعيَّةٌ ولا ينازعهم أحد في أملاكهم، وينطلق اقتراحي من باب المساهمة والمسؤوليَّة الاجتماعيَّة في استقطاع جزءٍ من أراضيهم ليُقدِّموه هديةً لسكَّان جدَّة وزوَّارها، ويقيموا عليها حدائق، ومناطق ترفيه مجانيَّة للمواطنِين على البحر، مع الحفاظ بصك الملكيَّة لهم، ولا مانع من تسمية الحدائق والشواطئ بأسمائِهم، وأعتقد أنَّ بعضًا من قصور ورثة الأغنياء لا يزوروها إلَّا نادرًا، وقد تكون زيارتهم لشواطئ (نيس، وكان، ومونت كارلو) أكثر، وأجزم أنَّ منفعتهم لا تتجاوز مئات الأمتار من ملكيَّتهم للآلاف أو لعشرات الآلاف من الأمتار.
صحيح كما يقال: (المالك في ملكه يفعل ما يشاء)، لكن أليس من الواجب علينا أن نخدم أفراد مجتمعنا؟ أليس لهم حق علينا؟ أليس من الواجب أن نقتدي بدولتنا في خدمة شعبها، وتحويل بعض أملاك الدولة من أراضٍ على البحر، أو داخل المدن؛ لتحويلها إلى حدائق وشواطئ عامة
رحمَ اللهُ الأوائلَ من رجال الأعمال والأثرياء، الذين خصَّصوا بعض الجواهر من أراضيهم وأملاكهم لتكون مقرًّا لإنشاء جامعة، مثل جامعة الملك عبدالعزيز، أو استادًا رياضيًّا مثل ساحة إسلام بمكَّة المكرَّمة، وملعب الصبَّان بجدَّة، ومدارس الفلاح بجدَّة، ومدارس دار الحنان، والأمثلة كثيرة في أنحاء المملكة، فهل يقتدي ملَّاك القصور والأراضي الكبيرة على بحر جدَّة بتقديم هدايا للمجتمع؛ شواطئ، وحدائق على البحر؟.