منوعات

لبنى أبو الدهب: الأدب بوصلة للشباب في متاهات النفس المظلمة

 

كتب عزت اشرف
في المشهد الأدبي المصري، تبرز أصوات تسعى لتقديم رؤى مغايرة للواقع والخيال. الأديبة لبنى أبو الدهب، بخلفيتها المتفردة، تقدم أعمالاً تتناول جوانب معينة من النفس البشرية، وتسعى لإيصال رسائلها عبر السرد. في هذا الحوار، نسلط الضوء على مقاربتها للكتابة، ودوافعها في استكشاف الزوايا المظلمة في الإنسان، والتحديات التي تواجهها في مسيرتها الإبداعية، وكيف تتوازن العبرة مع السرد في أعمالها.

توضح لبنى أبو الدهب أن روح مصر الأزلية بتاريخها لم تتجلَّ بعد في شخصيات أعمالها، رغم أن أبطالها مصريون. محتوى قصصها لم يصل بعد لتاريخ مصر العريق، لكنها ترى أن التطرق لتاريخنا العريق هو فكرة متاحة للمستقبل. بالنسبة لحضارة مصر القديمة والفراعنة، تؤكد أن الأفكار موجودة بالفعل ولها صدى، لكنها لم تُعطها وقتها بعد لكي تنعكس في أعمالها الأدبية.
زاوية النفس المظلمة: دعوة للوعي والحذر

من وجهة نظر لبنى أبو الدهب، أكثر زاوية مظلمة في النفس البشرية سعت لتوصيلها، خاصة للشباب، هي “النفس الأمّارة بالسوء”. ترى أن الشباب قد يقعون في براثنها تحت مسمى التجربة والفضول وحب المغامرات، فينجرفون نحو المخدرات، الفواحش، أو عالم الجن والشعوذة. تؤكد أن من يقوده نفسه وينجرف مع الصحبة السيئة ويستسلم، “يندم ندمًا شديدًا”. لذلك، هي تحاول في كتاباتها أن توضح صور ونتائج بعض الأفعال “الشاذة عن الطبيعة”، والتي وصل لها بعض من المجتمع، بهدف “نتجنب ونحمي عائلتنا ونفسنا من الضياع”.

لا تسعى لبنى أبو الدهب إلى عبرة واحدة فقط في أعمالها، بل ترى أن “كل عمل يحمل البعض من العبر”. فالعبرات الصالحة “لا تنتهي”، والمجتمع “يحتاج لنور ينير طريقه”. تؤكد أن العبر تتطور وتتغير وتزيد حسب رؤيتها للمجتمع أو النقاط التي تناقشها في عملها الأدبي، مما يعكس مرونة في تناول الرسائل الأخلاقية.
صناعة السرد: التخطيط كبوصلة للقصة

توضح لبنى أبو الدهب أن الموازنة بين عناصر العمل الأدبي ليست سهلة، لكن التخطيط لأي عمل يجعله منظمًا ومتزنًا. قبل البدء بكتابة أي قصة، تقوم بالأبحاث، حتى لو كانت قصتها خيالية، فكل خيال “يتخلله واقع بالتأكيد”. ثم تسجل أهم نقاط تحول قصتها، وتنظم شخصياتها وخريطة حياتهم ومسار القصة، وتقرر النهاية والمقدمة بحيث “يجذبون القارئ حتى النهاية ويشبعوا فضوله وحبه للقراءة”.

لم تشعر من قبل أن العبرة طغت على السرد أو العكس، لأنها تعتبرهما جزءًا لا يتجزأ من بعضه. تسرد العبرة “بشكل قصصي سلسل جاذب لفضول وخيال القارئ بشكل غير متوقع”. وهذا ما يشعرها بمتعة الكاتبة عندما تستمع لأحد القراء يقول: “لم نستطع أن نتوقف عن قرائتها حتى ننهيها فهي جاذبة وسلسة وممتعة”. حينها تشعر بالرضا عن قلمها. لكن المسؤولية تدفعها لزيادة ما تنتجه، فتبحث وتقرأ لإنتاج وابتكار جديد.

تصف لبنى أبو الدهب روايتها “لوحة من عالم آخر” بأنها “أول أولادي”. لم تكن هناك لوحة معينة ألهمتها، بل الفكرة جاءت بعد ولادة ابنها، حيث شعرت أنها “أصبحت بعالم آخر” ولديها كمية إبداع قوية. والدتها شجعتها على إظهار كتاباتها للنور، وهي تعبر عن شكرها لها.

عن تطور فكرة روايتها الأولى، توضح أنها تهوى كتابة الخواطر البلاغية منذ صغرها. بدأت الكتابة لتفريغ خيال وإبداع، وصادفت أن دار المعادي جروب أعلنت عن مسابقة أدبية، فقدمت عملها ولم تتوقع النجاح. فوزها في المسابقة كان بأن تُنشر روايتها ورقيًا وتشارك في المعرض، وهذا شجعها على الانضمام لمجلة “المختارون” لصاحبها الدكتور أحمد خالد مصطفى. وشاركت معهم بمجموعات قصصية قصيرة.

توضح لبنى أبو الدهب أن من يقرأ “لوحة من عالم آخر” سيشعر أنه داخلها، فقد وظّفت فضول البشر “لتسحب القارئ معها لعالمي ويرى بعين أبطالي ويكون جزء منهم فيسمع ما يسمعون ويرى ما لا يتوقعه”. تؤكد أن الفانتازيا أساسها هو “أن تكشف عما يغفله الواقع المجرد”.

أكبر تحدٍ واجهها في “لوحة من عالم آخر” كان كيفية جعل القارئ فضوليًا ومتلهفًا للتكملة وغير متوقع لما سيحدث. الدرس الذي تعلمته هو “أن أكتب كيفما أحب أن أقرأ، وأن أجعل كتاباتي تحمل عبرة ورسالة إيجابية وترضي الله عز وجل”.

تستذكر آراء القراء التي أجمعت على أن الرواية “شيقة وممتعة وأكثر ما يعيبها أنها تنتهي”، مما شجعها على تكملة جزء ثانٍ تعمل عليه حاليًا. أكثر رد فعل أسعدها وجعلها تضحك هو من قارئة توصلت إليها لترسل لها رد فعل زوجها، وعن مدى حبهم للقصة وفضولهم وعدم قدرتهم على النوم بعد أن بدأوها حتى أكملوها في ليلة واحدة. “شعرت برضا وشكر وعرفان لله.”
تشابك الخير والشر: ألغاز لم تكتمل بعد

عن شخصيتي “ورد شان” و”الملعون”، اللذين يحملان لعنة لم تكتمل بعد، تؤكد أنها ستنهيها في الجزء الثاني، وسيكشف الستار عنها كاملة. وتضيف: “بالتأكيد الخير والشر يتشابكان ولكن متى ينتصر أحدهما، هذا ما سيعرفه القارئ حسب نظرته للقصة.”
“العبرة بالخواتيم”: قصص واقعية بخيال مُتقن

تصف لبنى أبو الدهب عملها “العبرة بالخواتيم” بأنه “قصص واقعية مع إضافة بعض الخيال حتى ترسم العبرة بشكل جيد”. تؤكد أنها تضع حدًا في الرعب، “فأنا لا أفضل زرع الزعر بالنفوس أو التوتر أو الخوف فهدفي ليس ذلك بل هدفي أن أجعل القارئ مرتاحًا أثناء القراءة ومستمتعًا ويشعر بالرضا والعبرة بنهاية القراءة. لا أحبذ القلق النفسي نهائيًا ولا أحبه.”

عن مصطلح “فم الميث”، توضح أنه مصطلح طبي يطلق على عرض جانبي لتعاطي نوع من أنواع المخدرات. أما “العبرة بالخواتيم” فتعني أن “نهاية كل شخص تعتمد على خطوات مسيرته وحياته”. لذلك، “إن اخترنا خاتمة صالحة وجب أن نخطوها طوال حياتنا ونحافظ عليها لأنها ممكن باللحظة بسبب النفس أو الأصحاب أو الفضول تتحول حياتنا وتنتهي نهاية مأساوية.”
“لعنة زيوس وأطلانتس”: حوار مع الماضي بخيال الفانتازيا

في “لعنة زيوس وأطلانتس”، حاولت لبنى أبو الدهب تجربة الكتابة التاريخية بشكل فانتازيا، بهدف إيصال المعلومات بشكل سلس. هذا العمل استغرق منها وقتًا وجهدًا في البحث والتعمق واكتشاف الحضارة الإغريقية والعلماء والأساطير. شعرت أنه “من حق الجميع التطرق لتلك الأساطير واستكشافها”. هي ترى هذا العمل “حوارًا مع الماضي”. وتؤكد أنه نظرًا لجاذبية الإنسان للمجهول بطبعه، وجب كتابة تنويه قصصي أن “ليس مجهول محمود ووجب الحذر”.
النقد الأدبي: عين مُلهمة نحو التطور المستمر

تؤثر آراء النقد الأدبي على لبنى أبو الدهب، “للأسف أحيانًا أعيد كتاباتي أو أوقف فكرة ما بسبب عدم رضائي عنها بعين الناقد”. رغم أنها يمكن أن تجذب بعض الزملاء الذين تثق برأيهم في حيرتها، إلا أنها تشعر بعدم الكمال وتبحث عن الأفضل. الإيجابي في ذلك هو “كثرة بحثي فعيني الناقدة تجعلني أقرأ وأبحث بشكل أعمق حتى أصل لنقطة مميزة وأحاول إيصالها بشكل” متفرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى