منوعات

المسرحية في عيون “الاقتصاد الثقافي”: جدلية الفن والتسويق

 

بقلم جيهاد رضوان

لطالما تم النظر إلى دراسة المسرحية من زوايا تقليدية تركز على الجوانب الفنية البحتة: النص، الشخصيات، الإخراج، والأداء. لكن في عالم اليوم، حيث أصبح الفن جزءًا لا يتجزأ من منظومة اقتصادية معقدة، تبرز ضرورة تبني زاوية جديدة لتحليل المسرحية: “الاقتصاد الثقافي”. هذه الزاوية لا تقلل من قيمة الفن، بل تسعى لفهم كيف يتم إنتاج المسرحية، تسويقها، وتلقيها كـ “منتج ثقافي” في سوق تنافسية. إنها نظرة عميقة تتجاوز جماليات العرض لتكشف عن الآليات التي تحكم بقاءه وانتشاره.


 

المسرحية كـ “سلعة ثقافية”: من الإبداع إلى الإنتاج

 

في هذا الإطار، تتحول المسرحية من مجرد عمل فني إلى “مشروع” يتطلب تمويلًا، إدارة، وخطة تسويق. دراسة المسرحية من منظور الاقتصاد الثقافي تتضمن طرح أسئلة جديدة تتجاوز التحليل النصي:

  1. كيف يتم تمويل العمل؟ هل هو دعم حكومي، أم استثمار خاص، أم تبرعات؟ وكيف يؤثر مصدر التمويل على المحتوى الفني للمسرحية؟ على سبيل المثال، قد يفرض الممولون قيودًا على المواضيع التي يمكن تناولها، أو قد يطلبون تضمين عناصر معينة لضمان جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور. هذا يفتح بابًا لفهم “الرقابة الاقتصادية” غير المرئية التي قد تؤثر على حرية التعبير الفني.
  2. من هو الجمهور المستهدف؟ هل المسرحية موجهة لجمهور نخبوي أم لعامة الناس؟ وكيف يتم تحديد الأسعار وتوقيت العروض بناءً على هذا الجمهور؟ هل تستهدف المسرحية فئة معينة ذات قدرة شرائية عالية، مما يرفع أسعار التذاكر ويجعلها حكرًا على طبقة معينة؟ أم أنها تسعى للانتشار الجماهيري وتوفر عروضًا بأسعار معقولة؟
  3. كيف يتم تسويق المسرحية؟ هل يتم الاعتماد على الإعلانات التقليدية، أم على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل يؤثر التسويق على طريقة تقديم العمل للجمهور؟ ففي عصر “الترندات” و”الفيديوهات القصيرة”، قد يضطر صناع المسرح إلى تقديم عروض دعائية مختصرة ومبسطة للمسرحية، مما قد لا يعكس عمقها الفني الحقيقي.

 

المسرحية وسوق “التجارب الفنية”

 

لم يعد الجمهور يبحث عن مجرد “فرجة” في المسرح، بل عن “تجربة” متكاملة. هنا يأتي دور دراسة المسرحية كجزء من سوق أوسع يضم عروضًا موسيقية، أفلامًا، ومعارض فنية. في هذا السياق، يجب أن نفهم:

  • القيمة المضافة للمسرح: ما الذي يميز المسرح عن غيره من الفنون؟ هل هو التفاعل المباشر، أم الأصالة، أم القدرة على معالجة القضايا المحلية بشكل عميق؟ هذه هي نقاط قوة المسرح التي يجب أن يتم التركيز عليها في خطة التسويق.
  • علاقة المسرح بالمشاريع الاقتصادية الأخرى: هل يمكن أن تكون المسرحية جزءًا من مهرجان فني يجذب السياح؟ وهل يمكن أن تخلق المسرحية فرص عمل في مجالات مختلفة مثل الديكور، الإضاءة، وإدارة الإنتاج؟ إن النظر إلى المسرح كصناعة متكاملة، وليس كفن معزول، قد يساعد في جذب الاستثمارات وضمان استمراريته.

إن دراسة المسرحية من زاوية الاقتصاد الثقافي لا تلغي التحليل الفني، بل تضيف إليه طبقة جديدة من العمق، تجعلنا نرى المسرح ليس فقط كفن، بل كقوة اجتماعية واقتصادية قادرة على التغيير.


 

خاتمة: المسرح العربي والاقتصاد الثقافي

 

إن تطبيق هذه الزاوية الجديدة على المسرح العربي قد يمثل خطوة حاسمة نحو حل مشكلة قلة الدعم. فبدلًا من انتظار التمويل الحكومي، يمكن للمسرحيين العرب أن يطوروا نماذج إنتاج مستدامة تعتمد على الشراكات مع القطاع الخاص، والمشاريع السياحية، وحتى التمويل الجماعي. هذا النهج سيجبر المسرح على الخروج من قوقعته والبحث عن جمهور جديد، مما يضمن له البقاء والاستمرارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى