منوعات

ريهام خدام: حين تهمس قطر للفن السوري بعبق الأصالة وصرخة العصر

 

كتب عزت اشرف

في مدينة تتراقص فيها ناطحات السحاب على إيقاع التراث، وتُعَانق الحداثة أصالة الجذور، تنحت الفنانة التشكيلية السورية ريهام خدام وجودها الفني كشاهدة وراوية. بفرشاة لا تخشى الغوص في الأعماق، وعين ترى ما وراء الظاهر، تتشكل لوحات خدام كحوار بصري بين الثقافات، تجربة حية تلامس الروح وتُحفز الفكر. إنها ليست مجرد فنانة مقيمة، بل هي نبض يتأرجح بين ضفتي الإلهام، ينصت لهمس البيئة القطرية، ويُترجم صخب العصر بلغة بصرية آسرة.

تصف خدام إقامتها في قطر بأنها “ولادة جديدة لهويتها الفنية”، وهي عبارة تتجاوز مجرد الإشارة إلى التحول المكاني. ففي جوهر هذه “الولادة”، يكمن احتضان لوني وثقافي عميق. التراث القطري، بثرائه البصري والروحي، لم يكن مجرد خلفية لرسوماتها، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينها الفني. الأبواب الخشبية المزخرفة، بمساماتها التي تحكي قصص الزمن، وعبق الأسواق التقليدية، واتساع زرقة البحر الذي يرمز للخلود، ورمزية الصحراء التي تستلهم منها معاني الصمود والتأمل؛ كلها تجليات جمالية تتجسد في مساحات لوحاتها. إن ما تشعر به خدام، وتترجمه بصدق في أعمالها، هو ذلك التعايش الفريد بين الأصالة والحداثة، الذي يُضفي على المشهد القطري سحراً خاصاً، ويُشكّل أرضية خصبة لتفاعلاتها الفنية.

حديث خدام عن “البيئة والتراث الساحلي” في معرضها الأول لم يكن مجرد استعراض فني، بل كان بمثابة “ظل الماء” الذي يعكس قلقاً وجودياً تجاه ما يتهدد كوكبنا. إنها ترى الفن “صوت المرحلة ومرآة تعكس نبض المجتمع”، ومن هنا، تحاول في لوحاتها توثيق التغيرات البيئية ليس فقط من منظور بصري، بل من خلال وجدانٍ يعي الخطر. استخدامها للخامات العضوية والرموز المستوحاة من الطبيعة المتدهورة ليس مجرد خيار جمالي، بل هو إشارة واضحة إلى العلاقة الهشة بين الإنسان ومحيطه، محولةً بذلك الفن إلى “شهادة، بل وصرخة” تُدوي في فضاء الوعي الجمعي، تمامًا كلوحتها “ظل الماء” التي أرادت نقلها للمستقبل ليتساءل الجيل القادم عن مفارقة عصرنا: “كيف كنا نعيش بين فقد وامتلاء؟”.

التحدي الأكبر الذي يواجه الفنان العربي اليوم، كما تراه خدام، هو “رواية القصة من منظورنا”. لعقود، تم تصدير صور نمطية عن هويتنا، واليوم، تكافح خدام مع أقرانها لتقديم رواياتهم الأصيلة. مشاركاتها في معارض دولية مثل “ايكونيكا” و”الفرشاة الذهبية” ليست مجرد حضور، بل هي “فرص لتقديم وجه آخر للعالم العربي: متجذر، معاصر، ومتعدد الأصوات”. إنها مساهمة في بناء جسر لا يعبره الفن فحسب، بل يعبره الفهم المتبادل، محطمةً الأطر النمطية.
وفي هذا السياق، كان النقد البناء بمثابة “مرآة ضرورية” لرحلتها. تتذكر خدام مقولة ناقد غيرت نظرتها لعملها: “لوحاتكِ جميلة، لكن أين صوتكِ؟”. هذه الجملة، بحدتها وعمقها، دفعتها لمراجعة علاقتها بالمضمون، ولسؤال نفسها دوماً: “ماذا أريد أن أقول فعلًا؟” إنه تساؤل جوهري يُشكل بوصلة الفنان نحو أصالته.

في مشروع “مساحات ملونة” مع الأطفال، تكتشف خدام بُعداً آخر للفن. ترى في براءة الأطفال “حرية لا نملكها نحن الكبار”، فهم لا يخافون من الخطأ أو التجريب. هذا التفاعل هو درس مستمر لها، حيث تُعيد اكتشاف الفن كـ”فعل عفوي، كدهشة أولى”. العلاقة بين براءة الأطفال وعمق تعبير البالغ تخلق “مساحات من الإلهام المتبادل”، إذ يعكس الأطفال للفنان قدرة الفن على التعبير الفطري، بينما تُقدم خدام لهم الأدوات لتحويل مشاعرهم إلى ألوان.
الفن بالنسبة لخدام هو “طقس شفاء”. فخلال فترات الفقد أو القلق، كانت تجد نفسها أمام اللوحة تفرغ مشاعرها عبر الألوان. إنها تروي كيف أن طفلاً نازحاً استطاع أن يرسم بيتاً مهدماً ثم يعيد بناءه بالألوان، مؤكدة أن الفن هنا “ليس مجرد شكل، بل أمل”، إنه يمنح القدرة على إعادة تشكيل الواقع ولو على سطح قماشي.

لا ترى خدام الفن التشكيلي التقليدي في خطر التهميش أمام التقنيات الرقمية، بل تؤمن بأنه يواجه “تحديًا: أن يتجدد دون أن يفقد جوهره”. ترحب بالتقنيات الرقمية، وقد بدأت بالفعل باستخدام الواقع المعزز في بعض أعمالها، ولكنها تؤكد إيمانها بـ”سحر لملمس اللون ورائحة الكانفاس” الذي لا يعوض. موقفها هو الجمع بين “الحساسيتين الرقمية واليدوية” لخلق تجارب فنية مُثرية تجمع بين عمق التقليد وابتكار الحداثة.

بين “ثورة فنان”، “الفرشاة الذهبية”، و”ايكونيكا”، يكمن رابط مشترك عميق بالنسبة لريهام خدام: “السعي لكسر الحدود”. إنها تشارك في هذه المعارض لتُعلن “نحن هنا، بفكرنا، بذائقتنا، برؤانا”. ترغب في المساهمة في تشكيل مشهد فني عربي عالمي، لا يكون تابعاً، بل “شريكاً في انتاج المعنى”.

تأثرت ريهام خدام بشكل عميق بفنانين عظماء، وفي مقدمتهم رامبرانت، خاصة فيما يتعلق بـاستخدامه للضوء والظل. لم يكن الضوء عند رامبرانت مجرد تقنية إضاءة، بل كان “لغة درامية تحمل دلالات روحية ونفسية”. في أعمالها، تسعى خدام إلى استحضار هذا التوتر بين النور والظلمة، ليس فقط كعنصر بصري، بل كأداة لسرد القصص والمشاعر الخفية. هي تستلهم من رامبرانت كيف يمكن للظل أن يتحدث، وكيف يمكن للضوء أن يكشف ما هو مخبأ. هذا التأثر يضيف طبقة أخرى من العمق والرمزية لأعمالها، حيث يصبح التفاعل بين الضوء والظل مرآة تعكس الصراعات الداخلية والتجارب الإنسانية.

ترى ريهام خدام أن مستقبل تعليم الفنون البصرية في المنطقة يحمل “إمكانيات هائلة”، بشرط أن يتم تجاوز “التلقين” والانتقال إلى “الاستكشاف”. كـمعلمة، ترى دورها محفزًا للفضول وليس مجرد ناقلة للمعرفة. تؤمن بأن التعليم الآن يجب أن يكون “شراكة مع الطالب نكتشف سويًا نخطئ ونتعلم معًا”. ريهام خدام: حين تهمس قطر للفن السوري بعبق الأصالة وصرخة العصر

في مدينة تتراقص فيها ناطحات السحاب على إيقاع التراث، وتُعَانق الحداثة أصالة الجذور، تنحت الفنانة التشكيلية السورية ريهام خدام وجودها الفني كشاهدة وراوية. بفرشاة لا تخشى الغوص في الأعماق، وعين ترى ما وراء الظاهر، تتشكل لوحات خدام كحوار بصري بين الثقافات، تجربة حية تلامس الروح وتُحفز الفكر. إنها ليست مجرد فنانة مقيمة، بل هي نبض يتأرجح بين ضفتي الإلهام، ينصت لهمس البيئة القطرية، ويُترجم صخب العصر بلغة بصرية آسرة.

تصف خدام إقامتها في قطر بأنها “ولادة جديدة لهويتها الفنية”، وهي عبارة تتجاوز مجرد الإشارة إلى التحول المكاني. ففي جوهر هذه “الولادة”، يكمن احتضان لوني وثقافي عميق. التراث القطري، بثرائه البصري والروحي، لم يكن مجرد خلفية لرسوماتها، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينها الفني. الأبواب الخشبية المزخرفة، بمساماتها التي تحكي قصص الزمن، وعبق الأسواق التقليدية، واتساع زرقة البحر الذي يرمز للخلود، ورمزية الصحراء التي تستلهم منها معاني الصمود والتأمل؛ كلها تجليات جمالية تتجسد في مساحات لوحاتها. إن ما تشعر به خدام، وتترجمه بصدق في أعمالها، هو ذلك التعايش الفريد بين الأصالة والحداثة، الذي يُضفي على المشهد القطري سحراً خاصاً، ويُشكّل أرضية خصبة لتفاعلاتها الفنية.

حديث خدام عن “البيئة والتراث الساحلي” في معرضها الأول لم يكن مجرد استعراض فني، بل كان بمثابة “ظل الماء” الذي يعكس قلقاً وجودياً تجاه ما يتهدد كوكبنا. إنها ترى الفن “صوت المرحلة ومرآة تعكس نبض المجتمع”، ومن هنا، تحاول في لوحاتها توثيق التغيرات البيئية ليس فقط من منظور بصري، بل من خلال وجدانٍ يعي الخطر. استخدامها للخامات العضوية والرموز المستوحاة من الطبيعة المتدهورة ليس مجرد خيار جمالي، بل هو إشارة واضحة إلى العلاقة الهشة بين الإنسان ومحيطه، محولةً بذلك الفن إلى “شهادة، بل وصرخة” تُدوي في فضاء الوعي الجمعي، تمامًا كلوحتها “ظل الماء” التي أرادت نقلها للمستقبل ليتساءل الجيل القادم عن مفارقة عصرنا: “كيف كنا نعيش بين فقد وامتلاء؟”.

التحدي الأكبر الذي يواجه الفنان العربي اليوم، كما تراه خدام، هو “رواية القصة من منظورنا”. لعقود، تم تصدير صور نمطية عن هويتنا، واليوم، تكافح خدام مع أقرانها لتقديم رواياتهم الأصيلة. مشاركاتها في معارض دولية مثل “ايكونيكا” و”الفرشاة الذهبية” ليست مجرد حضور، بل هي “فرص لتقديم وجه آخر للعالم العربي: متجذر، معاصر، ومتعدد الأصوات”. إنها مساهمة في بناء جسر لا يعبره الفن فحسب، بل يعبره الفهم المتبادل، محطمةً الأطر النمطية.
وفي هذا السياق، كان النقد البناء بمثابة “مرآة ضرورية” لرحلتها. تتذكر خدام مقولة ناقد غيرت نظرتها لعملها: “لوحاتكِ جميلة، لكن أين صوتكِ؟”. هذه الجملة، بحدتها وعمقها، دفعتها لمراجعة علاقتها بالمضمون، ولسؤال نفسها دوماً: “ماذا أريد أن أقول فعلًا؟” إنه تساؤل جوهري يُشكل بوصلة الفنان نحو أصالته.

في مشروع “مساحات ملونة” مع الأطفال، تكتشف خدام بُعداً آخر للفن. ترى في براءة الأطفال “حرية لا نملكها نحن الكبار”، فهم لا يخافون من الخطأ أو التجريب. هذا التفاعل هو درس مستمر لها، حيث تُعيد اكتشاف الفن كـ”فعل عفوي، كدهشة أولى”. العلاقة بين براءة الأطفال وعمق تعبير البالغ تخلق “مساحات من الإلهام المتبادل”، إذ يعكس الأطفال للفنان قدرة الفن على التعبير الفطري، بينما تُقدم خدام لهم الأدوات لتحويل مشاعرهم إلى ألوان.
الفن بالنسبة لخدام هو “طقس شفاء”. فخلال فترات الفقد أو القلق، كانت تجد نفسها أمام اللوحة تفرغ مشاعرها عبر الألوان. إنها تروي كيف أن طفلاً نازحاً استطاع أن يرسم بيتاً مهدماً ثم يعيد بناءه بالألوان، مؤكدة أن الفن هنا “ليس مجرد شكل، بل أمل”، إنه يمنح القدرة على إعادة تشكيل الواقع ولو على سطح قماشي.

لا ترى خدام الفن التشكيلي التقليدي في خطر التهميش أمام التقنيات الرقمية، بل تؤمن بأنه يواجه “تحديًا: أن يتجدد دون أن يفقد جوهره”. ترحب بالتقنيات الرقمية، وقد بدأت بالفعل باستخدام الواقع المعزز في بعض أعمالها، ولكنها تؤكد إيمانها بـ”سحر لملمس اللون ورائحة الكانفاس” الذي لا يعوض. موقفها هو الجمع بين “الحساسيتين الرقمية واليدوية” لخلق تجارب فنية مُثرية تجمع بين عمق التقليد وابتكار الحداثة.

بين “ثورة فنان”، “الفرشاة الذهبية”، و”ايكونيكا”، يكمن رابط مشترك عميق بالنسبة لريهام خدام: “السعي لكسر الحدود”. إنها تشارك في هذه المعارض لتُعلن “نحن هنا، بفكرنا، بذائقتنا، برؤانا”. ترغب في المساهمة في تشكيل مشهد فني عربي عالمي، لا يكون تابعاً، بل “شريكاً في انتاج المعنى”.

تأثرت ريهام خدام بشكل عميق بفنانين عظماء، وفي مقدمتهم رامبرانت، خاصة فيما يتعلق بـاستخدامه للضوء والظل. لم يكن الضوء عند رامبرانت مجرد تقنية إضاءة، بل كان “لغة درامية تحمل دلالات روحية ونفسية”. في أعمالها، تسعى خدام إلى استحضار هذا التوتر بين النور والظلمة، ليس فقط كعنصر بصري، بل كأداة لسرد القصص والمشاعر الخفية. هي تستلهم من رامبرانت كيف يمكن للظل أن يتحدث، وكيف يمكن للضوء أن يكشف ما هو مخبأ. هذا التأثر يضيف طبقة أخرى من العمق والرمزية لأعمالها، حيث يصبح التفاعل بين الضوء والظل مرآة تعكس الصراعات الداخلية والتجارب الإنسانية.

ترى ريهام خدام أن مستقبل تعليم الفنون البصرية في المنطقة يحمل “إمكانيات هائلة”، بشرط أن يتم تجاوز “التلقين” والانتقال إلى “الاستكشاف”. كـمعلمة، ترى دورها محفزًا للفضول وليس مجرد ناقلة للمعرفة. تؤمن بأن التعليم الآن يجب أن يكون “شراكة مع الطالب نكتشف سويًا نخطئ ونتعلم معًا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى