وجوه منسية .. أشغلت حنان باحمدان فأشعلت ألوانها

قراءة الناقد التشكيلي / راضي جودة
للحديث عن مشروع فني لفنان ، أي فنان ، خاصة ممن أثبت حضوراً فاعلاً على مستوى التشكيل والتجريب ، ممارساً للأساليب التقليدية لتأسيس العمل ، حسب القواعد والأصول المتعارف عليها ، وبإستخدام أدوات وخامات تسجل تقنياً على أنها الأمثل والأجدى والأطول عمراً بين معظم الأنماط والمدارس والإتجاهات ..
أقول : أن هذا النوع من المشاريع الفنية وتلك الخطوات تحسب بدقة لاتقبل الخطأ، وحتى نستجلي بعض الأمور فإننا لو طرحنا سؤال تقييمي لخبير في اللوحات لقال لنا أن هناك مجموعة من العناصر ، يبحث ورائها لوضع العمل في مكانه الصحيح من ناحية خامة القماش ، ونوع الإطار والشدات والتحضير ، وبعد تلك العناصر تأتي عدد ضربات الفرشاة والإستدارة حول اللوحة ، والبدايات ، والكثافات ، ومجموعة الألوان التي تتفرع منها تفاصيل اللوحة ، أو البيان الذي يمكن أن نطلق عليه أسم خارطة توزيع اللون بالنسبة المئوية في حالات دمج اللون من الألوان الأساسية المتعارف عليها .
تلك المقدمة التي طالت ، كان لابد منها للتأكيد على أن بعض الأعمال ، ومنها اللوحات المتحفية لابد وأن تتوفر لها بعض العناصر التي تتيح للخبراء التحقيق والتثبيت والتوثيق ، وذلك أمر يطول شرحه .
ونحن نرى اليوم في أعمال حنان باحمدان ، سمات العمل الواقعي التعبيري الذي يهتم باصول التصوير من خلال وجود الموديل ، وزاوية الجلوس ، والتوزيع الضوئي للمكان ، وتبادل الشخصيات ، للتعرف على أكثر من وجه ، وأكثر من جسد بإختلاف اللون والملامح والزي ، وقد يقول قائل لماذا تعتمد هنا في مجموعة الشخوص القريبة من المنزل ، وربما عاملة منزل أو بائع من الباعة أو عابر سبيل ، وهنا تآتي الإجابة حول الممكن والمتاح في ظل عدم توفر موديل إحترافية من الذكور أو الأناث ، وذلك ليس العنصر الباهت في المسألة ، فربما إستطاعت أن تستعين بأكثر من صديقة أو أكثر من فرد من أفراد الأسرة ، وتلك الأمور المتاحة للغالبية العظمى من فناني الواقعية المعروفين ولانغفل الفنان محمود سعيد في تصويره لإبنته وزوجته ومجموعة من المحيطين ، وكان محمود سعيد يستعين بالموديل المتخصصة وذلك واضح بشكل جلي في بعض الأعمال ، ونراه ينفعل لبنات بحري وتأخذه لفة الملاية السوداء حول الخصور الدقيقة والوجوه ذات اللون البرنزي ، وهي تجربة غنية وجدناها أيضاً لدى منير فهيم ومجموعة كبيرة من المصورين المعروفين ، ممن تتلمذنا على أعمالهم ، لكن البحث وراء الوجوه المنسية فكرة إستلهامية لبعض الوجوه الطيبة المستفذة التي تراها في حياتك اليومية ولاتستطيع أن تنفلت من سطوتها الإنسانية الدافعة للتعاطف معها وحبها ومحاولة مد يد العون لها ، وهذا الأمر أستأثر فكر الفنانة وأستدعى ألوانها لرصد كل تلك الحالات التي تجسد فكرة الوجوه المنسية من ذاكرة الفعل الفني حيث يتجه كثير من المصورون ناحية الجمال وحده أو تفاصيل الثياب وطياتها ، والإبداع في إظهار قطع الحلي ، أما باحمدان فهي تركز على ملامح مجهدة بالوان تبدو متقشفة إلى حد كبير بل نرى في بعض الملامح تجمد الدموع في المآقي ، حنان باحمدان أصرت على وجود شخصيات متعددة في الزاوية ذاتها والمكان نفسه بل والمقعد وربما الجلسة ليس من أجل أن تثبت أنها كانت حبيسة الأستوديو بل لعلها أرادت من خلف ضوء الزجاج الباهت حينا والمشع أحياناً أرادت أن ارى وجوه متعددة جمعتها ظروف زمكانية محددة ولكنها أختلفت في الهم الحياتي والقدرة على إخفاء تلك الهموم في ظل إبتسامة أو نظرة زائغة من عين تلوك الحسرة ، لقد أوجعتني ملامح بعض الشخصيات في أعمال باحمدان وكنت أغبطها على تحمل تلك الصور لوقت طويل فلست وحدي من يقف ضعيفاً أمام بكاء طفل فما بالكم عندما تقف الأحلام في بؤبؤ عجوز أو شايب يبحث عن ظل يأويه من شظف الأيام .
في نهاية تلك المشاركة البسيطة أرجو للفنانة الرقي والرفعة ، وشكراً لتلك الوجوه التي أخرجتيها من قبو النسيان إلى أضواء الحوار ، وأشكر سعة صدوركم والسلام .