منوعات

نورهان البيلي: حين يصبح الحب بوصلة لترويج كنوز مصر

كتب عزت اشرف 

في قلب ماسبيرو العريق، تتجلى قصة حب  استثنائية نسجت خيوطها المخرجة نورهان البيلي، المعروفة بـ “نور البيلي”. إنها حكاية تجاوزت حدود المهنة لتلامس أعماق العشق الحقيقي، عشق يتجسد في كل لقطة سياحية تبدعها عدستها، وكل زاوية تكتشفها لتروي للعالم قصة مصر الخالدة. منذ ربع قرن، اختارت نورهان طريقًا لم يسلكه الكثيرون، طريقًا جعلت فيه السياحة ليست مجرد مجال عمل، بل رسالة حياة، وتفانيًا لا ينضب في إبراز جمال الوطن وروح شعبه.

شغف مبكر ورؤية متفردة

 

منذ أن وطأت قدماها ماسبيرو كطالبة متدربة من كلية الآداب، قسم إعلام بجامعة عين شمس، أدركت نورهان أن شغفها بالإخراج هو قدرها. كانت جزءًا من الجيل المؤسس لجريدة “إعلام 2000” بالجامعة، وأجرت أول حوار صحفي لها مع الأديب العالمي نجيب محفوظ، مما عكس طموحها المبكر ورؤيتها الثاقبة. على الرغم من أن مفهوم “التخصص” لم يكن شائعًا في التلفزيون المصري آنذاك، إلا أن نورهان كانت تحمل في قلبها رؤية واضحة: أن تصبح مخرجة متخصصة في البرامج السياحية.

كانت رحلتها إلى الإخراج السياحي مدفوعة بمؤهلات فريدة؛ فهي تحمل شهادتين نادرتين في اللغة الفرنسية والسياحة باللغة الفرنسية. وعندما عرضت فكرتها على الدكتورة درية شرف الدين، جاء الرد سريعًا ومفاجئًا: “اشتغلي سياحة… فقط.” وهكذا بدأت مسيرة متميزة في عام 2000 مع الفضائية المصرية، حيث رفضت حتى فرصة العمل كمذيعة في قناة Nile TV، مؤكدة: “أنا عايزة أكون مخرجة… وبس.”

بعد 25 عامًا من التفاني، تعبر نورهان عن عمق ارتباطها بعملها قائلة: “أنا باشتغل بحب… ماسبيرو بالنسبالي مش مبنى، ده بيت وسعادة… عمري ما اشتغلت علشان أقبض، أنا كنت بأنام في العربية بالجراج ساعات علشان ما أضيعش وقت شغلي…”

تؤكد نورهان أن الإخراج السياحي يختلف جوهريًا عن أنواع الإخراج الأخرى. هدفه ليس خلق صراع درامي أو جدل فكري، بل هو فن استكشاف الجمال الخفي في كل شيء. فببساطة، يمكن لعدسة المخرجة السياحية أن تحول عربة فول في الشارع إلى مشهد تراثي نابض بالحياة، يعكس روح الشارع المصري الأصيل.

بالنسبة لنورهان، “الجمال” في الإعلام السياحي ليس تزييفًا للواقع، بل هو إبراز للروح الجميلة التي قد تغيب عن أنظار البعض. إنها لا تنقل الحقائق مجردة، بل تزينها وتضفي عليها لمسات فنان يرسم لوحة فنية لمصر الأصيلة.

البرامج السياحية تتجاوز مجرد اللقطات؛ إنها تجربة متكاملة تتشابك فيها العناصر لترسم صورة حسية للجمال. تلعب الموسيقى دورًا محوريًا في هذا الفن، فلكل مكان إيقاعه الخاص. موسيقى الشواطئ تتطلب إيقاعًا سريعًا وخفيفًا، بينما تتطلب رحلات الأقصر وأسوان نغمات فرعونية عميقة تخلق حالة وجدانية مميزة.

حتى أسلوب المونتاج يتكيف مع نوع السياحة؛ تقطيعات سريعة للسياحة الشاطئية، وتقطيعات هادئة وناعمة للسياحة التاريخية والدينية. كل لقطة تحمل “مزاجًا” خاصًا لا يمكن إدراكه إلا لمن عاش التفاصيل وشعر بالجمال قبل أن يترجمه إلى صورة.

 

“كوزموس”: حكاية انتماء تجاوز الحدود

 

من بين التجارب التي تركت أثرًا عميقًا في نفس نورهان، قصة الألماني “كوزموس”، الذي ترك بلده ليشق طريقه إلى مصر في رحلة استغرقت 10 سنوات، قادها بعربة كارو يجرها حماران. استقر كوزموس في سانت كاترين، باحثًا عن السلام والسكينة، واندمج مع البدو كنحات بسيط.

تصف نورهان التحدي الذي واجهته لتصويره: “عذبنا جدًا علشان يرضى يصور. طردني أنا والمذيعة القديرة ريم الشافعي من المكان، لكنه وافق في النهاية. وأول حاجة قالها لنا: ‘أنا مش عايز أتكلم ألماني… أنا مرتاح هنا وبحب مصر.'” هذه التجربة الإنسانية أثرت فيها بعمق، ورأت فيها أصدق معاني الانتماء الحقيقي.

 

الإعلام السياحي: هوية وطن ومرآة لشعب

 

تؤمن نورهان بأن الإعلام السياحي يحمل دورًا محوريًا في تشكيل هوية الشعوب، فهو يتعدى مجرد عرض الأماكن ليقدم روح الناس، ثقافتهم الشعبية، وتراثهم المادي وغير المادي.

وتقول: “الإعلام السياحي مش نقل حقائق… ده تجميل الصورة، وضع مكياج رقيق على وجه الوطن علشان يطلع بأجمل صورة ممكنة. مش بس للعالم، لكن كمان علشان نحب بلدنا أكتر.” ترى نورهان أن كل محافظة مصرية تمتلك هوية مستقلة وعادات وتقاليد خاصة بها، والإعلام السياحي هو الأداة الوحيدة التي تجمع هذا التنوع في بوتقة واحدة، وترسخه كصورة إيجابية في الأذهان العالمية.


 

تحديات العصر الرقمي وأحلام المستقبل

 

على الرغم من انتشار البلوجرز وصناع المحتوى السياحي على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن نورهان تعبر عن قلقها: “مش كل اللي بيظهر على السوشيال ميديا فاهم سياحة أو دارس إعلام. ناس بتتكلم علشان تاخد دعوات أو هدايا، وده خطر جدًا. لازم ندقق ونختار مين نمشي وراه.”

تحلم نورهان بإطلاق قناة رقمية سياحية حقيقية، لا تسعى للربح فقط، بل تدار بفكر متخصص يبرز كل أنماط السياحة المصرية: الثقافية، الدينية، الشاطئية، الترفيهية، البيئية، والعلاجية، وغيرها.

كُرمت نورهان عدة مرات من قبل الاتحاد العربي للإعلام السياحي قبل أن تنضم إليه رسميًا. تصفه بأنه كيان محترم، يرأسه حاليًا الدكتور سلطان اليحيائي من سلطنة عمان. يجمع الاتحاد الإعلاميين العرب في لقاءات موسمية بهدف الترويج للسياحة العربية بمهنية ورقي.

حلم المستقبل: قناة رقمية ومنهج دراسي

 

حلم نورهان القادم هو إطلاق قناة رقمية متخصصة في السياحة، لا تعتمد على الربح التجاري فقط، بل تدار بفكر حقيقي يروج لمصر بما يليق بمكانتها. فهي ترى أن أفكار البرامج السياحية لا تنتهي، وأن مصر هي المادة الإعلامية الأغنى في المنطقة.

تؤمن بأن الإعلام السياحي المصري قادر على إحداث فارق حقيقي، فقط إن أُدير بالشغف والمعرفة والانتماء.

ولها أمنية شخصية: أن يتم تدريس الإعلام السياحي في المدارس، وليس فقط في كليات الإعلام أو السياحة. وأن تلتقي التخصصات: إعلاميو السياحة وسياحيو الإعلام، لأنهما وجهان لعملة واحدة: الترويج الحضاري والثقافي للوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى