اقتصاد

966 مليار ريال .. لكن أين المصنع الذي يصنع التغيير؟

كتب : جمال بنون

 

كشفت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية  في تقريرها السنوي أن عدد المصانع المنتجة في المملكة   حتى نهاية الربع الرابع من عام 2024 بلغ 9991 مصنعًا، يعمل بها نحو 980 ألف عامل، وبحجم استثمارات تجاوز 966 مليار ريال. هذه الأرقام تعكس توسعًا كبيرًا في النشاط الصناعي، لكنها تكشف أيضًا عن ملامح مثيرة للانتباه في توزيع الاستثمارات وطبيعة المنشآت. من أبرز ما يلفت النظر هو هيمنة الاستثمارات المشتركة بشكل شبه كامل، حيث بلغ عدد المصانع المشتركة 9352 مصنعًا، تمثل 94% من إجمالي المصانع، وتستحوذ على أكثر من 956 مليار ريال من رأس المال، أي ما يقارب 99% من إجمالي الاستثمارات.

في المقابل، لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية المباشرة سوى 0.54 مليار ريال موزعة على 65 مصنعًا فقط، ما يطرح تساؤلات حول مدى جاذبية البيئة الاستثمارية للمستثمرين الدوليين، أو ما إذا كانت الشراكة أصبحت النموذج المفضل لتقليل المخاطر وتعزيز الثقة.

أما من حيث حجم المنشآت، فتشكل المصانع الصغيرة والمتوسطة أكثر من 92% من إجمالي المصانع، لكنها لا تمثل سوى نحو 38% من رأس المال الصناعي، حيث بلغ عدد المصانع الصغيرة 5007 مصنعًا برأس مال 89.5 مليار ريال، والمتوسطة 4195 مصنعًا برأس مال 282 مليار ريال، بينما المصانع الكبيرة وعددها 764 فقط تستحوذ على 594 مليار ريال من رأس المال. هذا التباين يعكس حيوية ريادة الأعمال في المملكة، لكنه أيضًا يشير إلى تحديات في التمويل والتوسع تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما يستدعي سياسات دعم أكثر فاعلية.

من حيث النشاط الصناعي، تصدرت صناعة المواد الكيميائية والمنتجات الكيميائية قائمة القطاعات من حيث رأس المال، حيث استحوذت على أكثر من 412 مليار ريال موزعة على 1534 مصنعًا، تليها صناعة منتجات المعادن اللافلزية بأكثر من 212 مليار ريال. هذا التركيز الكبير على الصناعات المرتبطة بالطاقة والبتروكيماويات يعكس قوة المملكة في هذا المجال، لكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول التنوع الصناعي ومدى قدرة القطاعات الأخرى على المنافسة والنمو.

أما التوزيع الجغرافي، فقد استحوذت المنطقة الشرقية على النصيب الأكبر من الاستثمارات الصناعية، حيث بلغت أكثر من 447 مليار ريال، أي ما يعادل 46% من إجمالي رأس المال الصناعي، بينما تصدرت منطقة الرياض من حيث عدد المصانع والعمالة، إذ بلغ عدد مصانعها 3745 مصنعًا يعمل بها أكثر من 344 ألف عامل. هذا التفاوت الجغرافي يكشف عن اختلاف في نوعية الصناعات بين المناطق، ويشير إلى فرص لتوزيع التنمية الصناعية بشكل أكثر توازنًا، خاصة في المناطق الأقل استثمارًا مثل نجران والجوف والباحة.

ورغم الأرقام الكبيرة، هناك قطاعات صناعية ذات طابع ثقافي أو إبداعي تكاد تكون مهمشة، مثل صناعة الملبوسات التي تضم 211 مصنعًا فقط برأس مال 2.45 مليار ريال، وصناعة المنتجات الجلدية بـ 61 مصنعًا برأس مال 2.1 مليار ريال، والطباعة بـ 107 مصنعًا برأس مال 3.58 مليار ريال. هذه القطاعات يمكن أن تكون رافعة للهوية الوطنية والاقتصاد الإبداعي، لكنها تحتاج إلى دعم وترويج أكبر.

بصورة شاملة، تُظهر هذه الأرقام أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز قطاعها الصناعي، لكن هناك حاجة إلى تحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ماليًا وتقنيًا، وتنويع النشاط الصناعي بعيدًا عن التركيز على الطاقة والبتروكيماويات، وتوزيع التنمية الصناعية جغرافيًا بشكل أكثر عدالة، وإحياء الصناعات الثقافية والإبداعية كجزء من رؤية السعودية 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى