سوزان مختار.. “هبة النيل الغنائية” التي انتظرتها شواطئ الطرب
بـ"12 أوكتافًا".. صوت النيل يزهر من جديد في "ميني ألبوم"

“زي بعضه”.. سوزان مختار تروي ظمأ عشاق الأصالة وتكرم ذكرى الراحلين
بـ”12 أوكتافًا”.. صوت النيل يزهر من جديد في “ميني ألبوم”
“تمر حنة” الطرب الأصيل.. سوزان مختار تعود برحلة فنية من قاع النيل
سوزان مختار.. خمس مطربات في صوت واحد ينتظرها الجمهور في ألبوم جديد
كتب عزت اشرف
“الفن ليس مهنة، بل حالة عشق تُولد في القلب وتترجمها الروح.” بهذه الكلمات نستقبل صوتًا مصريًا فريدًا، يحمل في طياته عمق النيل وأصالة التاريخ. إنها الفنانة سوزان مختار، “تمر حنة” الغناء التي لم تتنازل يومًا عن فنها، بل رسمت لنفسها خطًا مستقيمًا من الإبداع، حيث الغناء ثم الغناء. هي ليست مجرد مطربة، بل حالة فنية متكاملة، تثمر طربًا وذوقًا رفيعًا في زمنٍ يئن من الغثاثة الفنية. صوتها القوي والرخيم، الممتلئ بالشجن والعذوبة، يصول ويجول في عالم الغناء، ليثبت أنها تستحق كل فرصة، وأنها كنـز لا ينضب من الفن الأصيل. نحن ، نغوص معها في رحلة 25 عامًا من الطرب، ونكشف أسرار صوتها الذي يمزج بين القوة والرخامة، ونحتفي بوفائها لذكرى صديقتها الفنانة الراحلة ذِكرى في عمل فني جديد.
في زمن يغرقنا فيه ضجيج الفن السريع، يبرز صوت لا يشبه إلا نفسه. صوت يمتلك من العذوبة ما يروي الروح، ومن الأصالة ما يعيد للأذن براءتها. جلست أمامها، وعلى مرمى البصر، يجري النيل الخالد، وكأنه شاهد على ميلادها الفني. كانت تارة تلتقط صورًا لذلك العظيم الذي أحبته حتى النخاع، وتارة أخرى تتأمل في مياهه بهدوء عميق، وكأنها تستمد منه سر صوتها الفاتن.
هذه هي سوزان مختار، الفنانة التي تجسد مقولة أن “مصر هبة النيل”. فكما وهب النيل الحياة لمصر، وهبت هي صوتها الأصيل لعالم الغناء. إنها ليست مجرد مطربة، بل هي جوهرة نادرة، لؤلؤة تشكلت في قاع النيل، تحمل في بريقها كل معاني العظمة والفخامة، لتصعد إلى السطح وترتفع لقمة الغناء الأصيل.
من العياط إلى العالمية.. رحلة شغف وصوت من قلب النيل
رحلة سوزان مختار لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج شغف حقيقي وعمل دؤوب. فمن قرية “العياط” الهادئة، حيث بدأت أحلامها تتشكل، انطلقت إلى القاهرة تحمل في صوتها وعدًا بالجمال. تقول سوزان عن تلك الفترة: “كانت البدايات تحديًا كبيرًا، لكن الإيمان بموهبتي كان أقوى. كانت عائلتي هي الداعم الأول، ومنها تعلمت تقدير الفن الأصيل.”
كانت عيناها تتأملان النهر وكأنها تراه لأول مرة، وقالت بابتسامة حالمة: “أتمنى أن أغني للنيل أغنية تليق بعظمته. هذا النهر العظيم هو مصدر إلهامي، منه استلهمت العمق في صوتي، ومن مياهه الصافية استمدت العذوبة والرقة.” للحظة، شعرت وكأنها عروس النيل الأسطورية، مستعدة لأن تلقي بنفسها وصوتها فيه فداءً لعظمته، فصوتها الذي يمتلك مساحة نادرة لا تقل عن 12 أوكتافًا، هو في الحقيقة هدية من هذا النهر الخالد، يجمع فيه كل الفنون، فهو يحمل أصالة فايزة أحمد، ورقة نجاة الصغيرة، ودلال شادية، وقوة أم كلثوم، وشجن عبد الحليم حافظ. إنه صوت يختزل في طياته خمس مطربات أو أكثر، في فنانة واحدة فقط.
من “العياط” إلى منصات العشق.. رحلة اللؤلؤة
تُشبه مسيرة سوزان مختار نهر النيل الذي ينبع من أعماق بعيدة، ليشق طريقه نحو النور. من قريتها الهادئة “العياط”، التي تشبه نقطة انطلاق هادئة لنهر عظيم، انطلق هذا الصوت الممتلئ بالوعد، ليجد ملاذه في القاهرة، عاصمة الفن. لم تكن رحلتها سهلة، بل كانت رحلة كفاح وإصرار، ولكن إيمانها بموهبتها كان أقوى من كل التحديات.
انضمامها إلى فرقة النيل للموسيقى العربية كان بمثابة النقطة التي تُصقل فيها اللؤلؤة، لتتحول قطعة فنية مصقولة ومذهلة. تقول سوزان عن تلك الفترة: “في الفرقة، تعلمت أن الغناء ليس مجرد أداء، بل هو ثقافة. هو احترام للحن، وتقدير للكلمة، وهو مسؤولية تجاه الجمهور.” وهذا ما جعلها تسير في خط فني مستقيم، لا تعرف التنازل أو الابتذال.
صوتها ليس عاديًا، بل هو مزيج فريد من القوة والرخامة، يمتلك قدرة فائقة على التعبير عن أدق المشاعر. عندما تسمعها تغني، لا تسمع مجرد كلمات ولحن، بل تعيش قصة، وتشعر بكل تفاصيلها. هذا الصوت الذي يصول ويجول في عالم الغناء، لا يكتفي بإحياء الزمن الجميل، بل يضيف إليه لمسة خاصة، ويجعل المستمع يكتشف جمالًا جديدًا في أعمال نعرفها ونحبها.
عاشقة الزمن الجميل..
تُعد سوزان مختار واحدة من الفنانات القلائل القادرات على تقديم أغاني عمالقة الطرب بأسلوب خاص يحترم الأصل ولا يقلده. هي لا تحاول أن تكون أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، بل تحاول أن تكون سوزان مختار وهي تغني لهم. هذا الوعي الفني هو ما يميزها. عشقها لعبد الحليم حافظ يبدو واضحًا في طريقة إحساسها بكلماته، وإعجابها بفايزة أحمد يظهر في قوتها وثقتها على المسرح، بينما تتقمص رقة نجاة ودلال شادية بأسلوبها الخاص.
في حفلاتها الأخيرة التي احتضنتها كنوز مصر الثقافية مثل بيت السحيمي وقصر الأمير طاز، لم تكن سوزان تؤدي أغاني، بل كانت تُقدم طقسًا فنيًا روحيًا، أعادت من خلاله إحياء زمن السلطنة والطرب الأصيل. وقد أكدت هذه الحفلات أن جمهورها ليس جمهورًا عاديًا، بل هو جمهور يبحث عن الأصالة والجودة، ويقدر الفنان الذي يحترم نفسه وفنه.
“تمر حنة”.. جسر بين الطرب والأصالة الشعبية
نجاح سوزان في اللون الشعبي لم يكن صدفة، بل كان جزءًا من هويتها الفنية المتكاملة. لقب “تمر حنة” الذي ارتبط بها، يعكس قدرتها على الجمع بين عوالم مختلفة من الغناء. فالفن الشعبي الأصيل، في رأيها، ليس أقل شأنًا من الطرب الكلاسيكي، بل هو جزء من تراثنا، ومرآة تعكس بساطة وجمال الروح المصرية.
أعمالها الخاصة، مثل أغنية “من الآخر كده” و”فاتك تشوف” و”يا مصر تعيشي”، تؤكد أنها لا تكتفي بتقديم أغاني الآخرين، بل تمتلك مشروعًا فنيًا خاصًا تسعى من خلاله لتقديم فن أصيل يحمل توقيعها. وهذا ما يجعلها فنانة شاملة، قادرة على تلوين صوتها في كل الأشكال، دون أن تفقد جوهرها.
“زي بعضه”.. رسالة وفاء من قلب اللؤلؤة
من أكثر ما يميز سوزان مختار، وفاءها لزملائها وتقديرها للفن الأصيل. قصة أغنيتها الجديدة “زي بعضه” ليست مجرد قصة عابرة، بل هي قصة وفاء لذكرى فنانة عظيمة. هذه الأغنية التي لم يُكتب لها أن تُرى النور على لسان الفنانة الراحلة ذكرى، وجدت في صوت سوزان مختار قَدرها.
إن اختيار سوزان لهذه الأغنية لم يكن صدفة، بل كان إيمانًا منها بأن الفن الأصيل لا يموت، وأن الأصوات العظيمة تستحق أن تُخلد. لقد وهبت سوزان صوتها لهذه الأغنية لتمنحها حياة جديدة، لتكون رسالة وفاء من فنانة تقدر العظماء، وتؤكد أن الفن جسر بين الأجيال. ترقبوا طرح أغنية “زي بعضه” ضمن ميني ألبوم جديد لسوزان مختار.
.. اللؤلؤة في انتظار فرصة النور
على مدار مسيرتها الطويلة، أكدت سوزان مختار جدارتها في كل لون غنائي قدمته. هي الآن تقف على شاطئ النيل، لؤلؤة نادرة تنتظر الفرصة التي تليق بعظمتها. تنتظر أن تقدم صوتها في مهرجانات أكبر، وعلى مسارح أوسع، لتصل إلى كل محب للفن في العالم العربي.
إنها تستحق أن تعطى هذه الفرصة، فصوتها ليس مجرد أداة للتسلية، بل هو هبة فنية عظيمة، تستطيع أن تعيد للفن هيبته، وأن تروي ظمأ عشاق الطرب الأصيل. صوتها هو النيل الذي يتدفق، وهي تنتظر فقط أن يفتح لها العالم أبوابه، لتروي العطشى من فنها الذي لا ينضب.