صانعة الوعي هدير القصاص… من ترجمة العقل إلى هندسة الروح”

كتب عزت اشرف
هدير القصاص ليست مجرد كاتبة أو معالجة نفسية، بل هي رحلة عميقة في دروب الوعي، حيث يمتزج قلم المترجمة بروح المعَالِجَة النفسية ليشكلا معاً لوحة فنية فريدة، عنوانها الفهم، التغيير، والارتقاء. إنها لا تكتب عن الحياة، بل تكتب من قلب الحياة، مستندة إلى خبرة وعلم، وشغف لا ينضب بتحسين الذات البشرية.
فهدير القصاص ليست كاتبة فقط ، بل هي مهندسة نفسية تسعى لإعادة بناء النفوس المتصدعة. بصفتها أخصائية نفسية (Psychologue clinicienne) في مؤسسة ذاتك للخدمات النفسية والأسرية، ومدربة صحة نفسية معتمدة في مستشفى الإسراء التخصصي، بالإضافة إلى كونها أخصائية في العلاج الطبيعي (Physical Therapist)، فإنها تترجم كل كلمة كتبتها إلى فعل وتطبيق. إنها دليل حي على أن العلم والخبرة إذا امتزجا بشغف ورسالة، فإنهما قادران على إحداث تغيير حقيقي في حياة الأفراد والمجتمعات.
لم تكن بداية هدير القصاص صدفة، بل كانت بحثًا عن إجابات عميقة. في زمن طغت فيه السطحية على العلاقات الإنسانية، شعرت أن هناك شيئاً مفقوداً. عندما وجدت أن أغلب المحتوى المتاح يختزل الرجل في “شهوة بلا عقل”، رفضت هذا التبسيط واعتبرته إساءة للفهم. هذا الرفض هو ما قادها إلى اكتشاف كتاب “لماذا يحب الرجال العاهرات”، الذي كان بمثابة إضاءة على مفهوم جديد: عقل الرجل.
لم يكن الأمر مجرد ترجمة حرفية، بل كان توطيناً ثقافياً. أخذت هدير جوهر الفكرة، وهو أن المرأة القوية الواضحة هي التي تستحوذ على الاهتمام، وأعادت صياغته ليتناسب مع قيمنا الشرقية، مؤمنة بأن الأنوثة الحقيقية لا تتعارض مع القوة، بل تتكامل معها. هذه العملية لم تكن مجرد مشروع، بل كانت تجربة شخصية، طبقت فيها النصائح على نفسها أولاً، لتثبت لنفسها وللقراء أن النظرية يمكن أن تتحول إلى واقع ملموس. هنا يكمن سر نجاحها: فهي لا تدعو إلى شيء لم تختبره بنفسها.
لم تتوقف هدير عند الترجمة، فإبداعها الحقيقي بدأ عندما أدركت أن بعض الأفكار الغربية لا يمكن تطبيقها بحذافيرها. هذا الإدراك هو ما دفعها لتأليف كتب من روح الواقع المصري والعربي، تعالج قضاياه بصدق وعمق.
“لماذا يحب الرجال”: كتاب لا يقلد، بل يكمل. يمنح المرأة العربية أدوات لتعزيز أنوثتها دون التنازل عن دورها كشريك فعال. إنه دليل للأنثى القوية التي لا تريد أن تكون قائدة، بل تريد أن تكون ملهمة ومحترمة، تفهم عقل الرجل الشرقي وتتعامل معه على أساس من التقدير المتبادل.
“قوة التغيير الداخلي”: تحفة فكرية تربط بين الجانب النفسي والروحي. تقدم هدير مفهوم “عضلات الشخصية” كفكرة مبتكرة وعملية. فكما أن الجسد يحتاج إلى تمرين، فإن النفس تحتاج إلى تقوية عضلاتها مثل التسامي، والفهم، والإيمان، والتغافل. تروي قصصاً من صلب الواقع المصري، لتُظهر كيف أن قوة الشخصية هي المفتاح للتغلب على المعاناة، وكيف أن الضحية يمكن أن يتحول إلى شخص فاعل وإيجابي.
“الأصول الملعونة”: كتاب جريء يضع الإصبع على الجرح. يتناول العادات والتقاليد التي أصبحت عوائق أمام الزواج الصحي، ويحلل كيف يمكن أن تتسبب “الأصول” في خراب البيوت. تطرح هدير حلولاً جذرية مبنية على الشرع والعلم، داعية إلى التخلص من العادات السلبية التي تعرقل الاستقرار الأسري.
“إنسان فاكس”: تشريح عميق للنفس المريضة. تأخذنا هدير في رحلة داخل دهاليز النفس البشرية، لتفرق بين الأمراض النفسية والعقلية، وتناقش أمراضاً سلوكية مثل الكذب، النفاق، والخيانة من منظور علمي وفلسفي وديني. هذا الكتاب ليس مجرد وصف للأمراض، بل هو دليل علاجي يحتوي على تمارين نفسية تساعد الأفراد على فهم أنفسهم، لأن الاستبصار بالمرض هو أول خطوة نحو الشفاء.
رسالة هدير القصاص لا تقتصر على القارئ، بل تتعداه إلى المجتمع والمؤسسات. إنها تدعو إلى تغيير جذري في كيفية تعاملنا مع مؤسسة الزواج والأسرة. دعوتها لإلزام المقبلين على الزواج بالخضوع لتقييم نفسي وتوعوي، وإجبار المتخاصمين على اللجوء إلى متخصص أسري قبل الطلاق، ليست مجرد اقتراحات، بل هي رؤية لمستقبل أكثر استقراراً.
هدير القصاص ليست كاتبة، بل هي مهندسة نفسية تسعى لإعادة بناء النفوس المتصدعة. من خلال عملها في “مؤسسة ذاتك للخدمات النفسية والاسرية” ومنصبها كمدربة صحة نفسية، تترجم كل كلمة كتبتها إلى فعل وتطبيق. إنها دليل حي على أن العلم والخبرة إذا امتزجا بشغف ورسالة، فإنهما قادران على إحداث تغيير حقيقي في حياة الأفراد والمجتمعات.