منوعات

For a Home for Your Soul لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا”

بقلم : عزت اشرف 

zt211151@gmail.com

في رحاب هذا الكون الفسيح، يولد الإنسان بضمأٍ روحي لا ترويه الماديات، وبحاجة عميقة إلى موطنٍ يأوي إليه. إنها حاجةٌ للسكينة التي لا يجدها في صخب العالم، ولا في ازدحام المدن. تُعلّمنا الحياة أن الوحدة ليست مجرد غياب شريك، بل هي شعورٌ روحيٌ بالاغتراب، كروحٍ تبحث عن مرآتها، عن نصفها الآخر الذي يكملها ويُعيد إليها إحساسها بالكمال.

فأين تكمن الإجابة؟

تتراقص خيوط القدر لتلتقي روحان، وتبدأ رحلة الاكتشاف. إن تلك اللحظة الساحرة من الانجذاب ليست صدفة كيميائية، بل هي شرارة كونية ونبضٌ إلهي يترجم غاية الخلق. في تلك اللحظة، يتدفق في أوردة الروح ما يُعرف علميًا بـ الدوبامين، ذلك الهرمون الذي يمنح شعورًا عارمًا بالنشوة والسعادة، ويدفع الروح نحو موطنها. يرافقه النورإبينفرين الذي يزيد من التركيز والإثارة، فتبدو تفاصيل المحبوب وكأنها منسوجة من نور، ويصبح العالم كله في الخلفية. هذا الانجذاب ليس إلا لغةً صامتة بين روحين، تتناغم فيها الفطرة مع التصميم الإلهي المُتقن.

لكن أعظم معجزة لا تكمن في شرارة البداية، بل في هدأة النهاية. فبعد أن تهدأ عاصفة المشاعر، لا تنطفئ الشعلة، بل تتحول إلى دفء مستقر. هنا، تظهر حكمة الخالق في هرمون الأوكسيتوسين، الذي يُعرف بـ “هرمون الأمان والارتباط”. يُفرَز هذا الهرمون بكميات هائلة مع كل لمسة حانية، ومع كل نظرة ثقة، ومع كل لحظة صمت مُريح. يعمل الأوكسيتوسين على بناء جسور من الثقة والأمان، ويُسكِن الروح في موطنها، ويحوّل الإثارة العارمة إلى سلامٍ عميق. وهذا الشعور بالهدوء والأمان هو التفسير العلمي الملموس والعميق لجوهر السكينة التي تحدث عنها القرآن الكريم.

تتكامل هذه المعجزة البيولوجية مع ركيزتين أساسيتين هما جوهر العهد الإنساني: المودة و الرحمة. فالمودة هي الحب الواعي، ذلك الجهد المقدس الذي تبذله الروح لرعاية الأخرى، إنها العطاء الذي لا يتوقف، والكلمة الطيبة التي تزرع الأمان، والوقوف جنبًا إلى جنب في كل الظروف. أما الرحمة، فهي أعمق وأبقى. إنها القدرة على رؤية ضعف الآخر واحتوائه، والتجاوز عن زلّاته، والغفران الذي يُذيب كل قسوة. إنها الإيمان بأن الزوجين ليسا مجرد كائنين كاملين يتقابلان، بل هما روحان ناقصتان تتعهدان بإكمال بعضهما البعض، ليصبح كل منهما ملاذًا للآخر.

فالزواج ليس محطة وصول، بل هو رحلة مقدسة. إنه ليس مجرد عقد يوثّق بين طرفين، بل هو عهدٌ بين روحين على إقامةِ مَلاذٍ آمن، وكتابةِ فصلٍ خالدٍ في سجل السكينة الإلهية. إنه ليس مجرد اتحاد جسدين، بل هو أن يصبح كل منكما للآخر مرآةً، ومأوى، وموطنًا تتنفس فيه الروح. إنه أن تكونا لبعضكما البعض “لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى