منوعات

حوار في قلب الفنانة التشكيلية زمزم الحاج

قصة ريشة وروح:

حوار : عزت اشرف

 

في رحلة الروح عبر الزمن، هناك أرواح تُولد كخريطة للذاكرة. لا ترسم مصيرها فحسب، بل تُجسد حكاية أمة بأكملها، وتُخلد قصصاً لم تُروَ بعد.

من رحم دمشق، المدينة التي علّمت التاريخ كيف يبتسم تحت رماد الحزن، خرجت روح فنانة لم تحمل في يدها ريشة، بل منارة. إنها زمزم الحاج، الفنانة السورية التي جعلت من قماشتها مرآة تعكس أصالة الجذور، ونهرًا من الضوء يتدفق عبر الألوان ليحيي المدن والأرواح. لوحاتها ليست مجرد أشكال؛ إنها شهادة على أن الجمال والصمود توأمان لا يفترقان.

حوارنا معها  ليس استعراضاً فخماً، بل محاولة للغوص في تلك الأعماق، وفك شفرة أبجدية اللون التي بها تُحدثنا زمزم الحاج عن سوريا، عن الحياة، وعن الأمل. فلنستمع إلى ما تخبئه الريشة، ولننظر بعمق إلى ما تخبرنا به الروح.


يقال إن الفن يولد في الروح قبل اليد. أين بدأت حكايتكِ؟ هل هي في خطوط قلمكِ الأولى، أم في إرث عائلة خطت الجمال قبل أن تولدي؟

البدايات هي الطفولة والبيت الفني اللي خلقت فيه والأسرة ابتداءً بالجدة والدة والدي.. والوالد الذي كان فنان تشكيلي ورسام وخطاط وأستاذ بالخط العربي والفنون التشكيلية وانتهاءً بالأعمام أيضاً. بدأتُ ممارسة ميولي الفنية منذ الطفولة، وكبرت وكبرت معي الموهبة. لقيتُ حفاوة كبيرة من التشجيع والدعم من قبل الأسرة، فأنا أعيش بين اللوحات والألوان والأحبار وغيره، وأقوم بتجريب كل الخامات بإشراف الوالد وتوجيهاته.


بعد هذا الدعم العائلي، اتجهتِ نحو الصقل الأكاديمي. ما الذي أضافته الدراسة لموهبتكِ الفطرية، وكيف صاغتْكِ كفنانة مُتكاملة؟

بعد إنهاء المرحلة الثانوية، درستُ في إعداد المدرسين للفنون التشكيلية وتخرجتُ كمدرسة للفنون عام 2003. من بعدها درستُ الفنون التشكيلية في مركز وليد عزت للفنون، وبعدها في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق، وبعدها درستُ في كلية التربية بجامعة دمشق. مارستُ عملي على مدار سنوات كمدرسة للفنون الجميلة لكافة الفئات العمرية ومدربة.


الفنانة امرأة تحمل على عاتقها مسؤوليات متعددة. كيف توفقين بين متطلبات الفن، وعملكِ كمعلمة، ومسؤولياتكِ كأم؟

أكثر ما يعيق الأنثى بشكل عام هو ضيق الوقت وكبر المسؤوليات التي تُرمى على عاتقها. فأنا كفنانة تشكيلية أمارس هذه المهنة، وكمعلمة للمادة، وكمّ لثلاثة أبناء، أكثر ما يواجهني من صعوبات هو الضغط بالوقت، ومع ذلك أسعى دائماً للتوفيق بين كل ذلك بتنظيم وقتي ويومي.


لوحاتكِ هي سفيرتكِ إلى العالم. ما السر وراء هذا الانتشار الواسع الذي وصلتِ إليه؟ وهل تُشكل اللوحة بالنسبة لكِ رسالة أكثر منها عملاً فنياً؟

وصلتُ إلى الشهرة والانتشار الواسع من خلال نشاطاتي المتعددة محلياً ودولياً، والأهم من خلال لوحتي. فالفنان دائماً لوحته وما يقدمه هو بمثابة رسالة وصلة وصل بينه وبين المتلقي.


لا شك أن للنجاح ضريبة. ما هي التحديات الخفية التي واجهتكِ في طريقكِ نحو القمة، وكيف استطعتِ الصمود رغمها؟

لا شك أن للنجاح ضريبة، فالموهبة مَلكة من الله عز وجل. وكما أن الحسد موجود بأن يتمنى الآخر تحقيق ما تقوم أنت بتحقيقه والوصول إلى ما وصلتَ إليه، ناهيك عن التعب الجسدي الذي يلم بك جراء ممارسة هذه المهنة. ومع ذلك، وبالمقابل، فالمحبون والمشجعون أيضاً موجودون، ومستمرة بإذن الله رغم كل تلك الصعوبات.


تنوعتْ تجربتكِ بين مدارس فنية متعددة. أين وجدتِ نفسكِ؟ وهل تعتقدين أن الفنان يجب أن يجرب كل الأساليب قبل أن يستقر على واحدة؟

بالنسبة للمدارس الفنية، فمن خلال دراستي على مدار سنوات، قد ألممتُ بكل المدارس وجربتها كلها. وفي حياتي العملية، يُطلب مني رسم البورتريه الواقعي، أو ممكن يكون الطلب على أحد الرسومات يخص المدرسة الواقعية. أنا وجدتُ نفسي بالمدرسة الانطباعية والتجريدية. لي عدة تجارب مع لوحاتي بأساليب متعددة وبمدارس متعددة سبق وأن ذكرت.


شاركتِ في العديد من المعارض الفردية والجماعية. ما الذي تضيفه هذه التجارب لمسيرتكِ؟

شاركتُ بالعديد من المعارض الفنية والمهرجانات محلياً ودولياً. المعارض منها فردية ومنها جماعية مع زملاء فنانين، خضنا فيها تجارب الاستفادة من خبرات بعض، وتنمية التغذية البصرية والجمالية.


هل تعتقدين أن الفن إرث ينتقل عبر الأجيال، أم موهبة فردية؟ وهل ورثت بناتكِ هذا الفن؟

ابنتي الكبرى ورثت هذا الفن وتمارس هوايتها معي في الوقت الحالي، وعلى نهجها وطريقها تسير أختها الصغرى.


من واقع تجربتكِ، هل يمكن للفن أن يكون مصدر دخل أساسياً للفنان، أم أن هناك حاجة لمهنة أخرى؟

قد يلقى الفنان نوعاً من ضربة الحظ بالنسبة للوضع المعيشي، ولا أظن أن يعتمد في ذلك على دخله، لذا لا بد من وجود عمل آخر ومهنة أخرى يعتاش منها.


بين الفنانين، يُشكل التواصل جسراً لتبادل الخبرات. هل أنتِ على تواصل مع فنانين آخرين؟

أنا دائمة التواصل مع عدة فنانين عرب وأجانب، يتم من خلال تواصلنا الاطلاع على تجارب بعض والاستفادة من خبرات بعض.


بعين الفنان، يختلف مقياس الجمال. كيف ترين الجمال في الحياة وفي البشر؟ وما هي معاييركِ الخاصة التي تلهمكِ؟

بالنسبة لمقاييس الجمال عند المرأة، التناسق بين الوزن والجسم، وجمال العيون، والرقبة الطويلة، والخصر النحيل، ولا يُشترط الطول عند المرأة على عكس الرجل، فالطول بالنسبة للرجل من مكملات الجمال الأساسية لديه، والأكتاف العريضة والصدر العريض، وتكوينات الوجه بالنسبة للطرفين بشكل عام. ومع ذلك كله، فإنني أقول أن الجمال نسبي، فمن أراه أنا جميلاً يمكن أن يراه غيري عادياً والعكس صحيح.


ما هي قيمة الجائزة الفنية بالنسبة لكِ؟ وهل هي نهاية مسار، أم حافز لمواصلته؟

قيمة الجائزة الفنية بالنسبة لي هو تثمين وحافز معنوي وتشجيع لما قمتُ به، ولإستمرارية مسيرتي الفنية، وحصاد مشوار طويل في هذا المجال.


تحدثتِ عن أن الفن والوقت هما عنصران أساسيان في الحركة التشكيلية. كيف تفسرين هذه العلاقة؟

الفن والوقت هما عنصران أساسيان في الحركة التشكيلية، فقد يشمل العمل الفني حركة فعلية أي أن العمل الفني نفسه يتحرك، أو أنه يتضمن وهم الحركة.


ختاماً، ما هي أحلامكِ وطموحاتكِ المستقبلية، وما الرسالة التي تودين أن تتركيها عبر فنكِ؟

أطمح كأي فنان إلى العالمية، وابتكار وخلق كل ما هو جديد. مشاريعي مستمرة من مشاركات مع جهات ومنظمات وفنانين وجمعيات ومعارض وغيره، ودائماً أتوق إلى تقديم كل ما هو جميل ومبدع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى