منوعات

بين سحر مراكش وعين السينما حوار مع المبدع الشاب يوسف أسونا

كتب : عزت اشرف 

في حضرة مراكش، مدينة السبعة رجال وعاصمة البهاء التاريخي، يولد الإبداع من رحم التنوع والذاكرة. ضيفنا اليوم هو الشاب يوسف أسونا، ابن مراكش الحمراء، الذي استطاع أن يمزج بين عبق التراث المغربي وبين حداثة السينما واللغات العالمية. في هذا الحوار، نبحر مع يوسف في عوالمه الأدبية، لنكتشف كيف صقلت “جامع الفنا” ذائقته، وكيف تحول من قارئ في مكتبة والده إلى مبدع يكتب القصيدة بعين سينمائية، متسلحاً بأربع لغات وآفاق لا تحدها حدود.

**، ولدت في مدينة “السبعة رجال”، مراكش الحمراء، سنة 1999. كيف أثرت هذه المدينة بتنوعها الثقافي وألوانها وساحة “جامع الفنا” على تشكيل ذائقتك الأدبية الأولى؟**

مراكش هي مدينة الأمجاد والتنوع الديمغرافي والحضاري، وقد طبعتني بطابعها الرائع، وأغنت ثقافتي وفهمي للحياة. لقد صقلتني هذه المدينة وزودتني بزادٍ فكري لا ينفد مع الزمن. نشأتُ في أسرة مثقفة وقارئة، حيث تتلمذت على يدي والدي، وتلوت القرآن الكريم وتعلمته منه. كما اطلعت على العلوم الإنسانية وتشربتها في سن مبكرة، مما خلق مني إنساناً يسعى للمشاركة في صنع رسالة الإبداع والتثقيف.

**في سن مبكرة، بدأت تنجذب لعوالم الكتابة. هل كان هناك محفز عائلي أو حدث معين فجر داخلك رغبة التعبير بالكتابة؟**

نعم، كان كل مَن حولي يدفعني نحو الكتابة؛ بدءاً من أسرتي وصولاً إلى معلماتي في المدرسة، وخاصة أساتذة اللغة العربية الذين لمحوا فيَّ بذور موهبة الكتابة والتأليف والتخييل. طبعاً، كان للمطالعة المستمرة والقراءة في مكتبة البيت والمدرسة الأثر الأكبر في بروز قدراتي، حيث بدأتُ بكتابة مواضيع الإنشاء التعبيري، والخواطر، ثم انتقلت للقصة والشعر.

**انتقلت من دراسة الإجازة في الدراسات الفرنسية إلى التخصص في “ماستر السينما والأدب” بكلية الآداب بني ملال. كيف ساهم هذا التكوين المزدوج في صقل أدواتك؟ وهل تكتب القصيدة بعين سينمائية؟**

لقد سلكتُ كل الدروب الإبداعية الممكنة، وصقلت القراءةُ والاطلاعُ شخصيتي. ولما تشكلت لديَّ ذخيرة إبداعية ومخزون ثقافي، اتجهتُ إلى التخصص في “الكتابة السينمائية”، وهو ما أنار أمامي طريقاً رائعاً تمثل في المزج بين الأدب والسينما. لقد وظفتُ الأدب لخدمة السينما، واستفدتُ من تقنيات السينما في إنجاز نصوصي الأدبية. كما أن دراستي للغة الفرنسية كونت لديَّ ثقافة أوروبية وعالمية مقارنة ساعدتني كثيراً في تنويع أدواتي.

**تتقن أربع لغات (العربية، الفرنسية، الإيطالية، والأمازيغية). كيف تستثمر هذا التعدد اللغوي في كتاباتك؟ وهل تفكر في الترجمة أو الكتابة بإحدى هذه اللغات غير العربية؟**

مَن يعرف لغةً كأنه امتلك شعباً وبلاداً جديدة. ومن هذا المنظور، كان لإتقاني لعدة لغات ولهجات أثر كبير على جودة نصوصي وسويتها الفنية. إنني أسعى فعلياً للعالمية، وأتمنى ترجمة ما أكتبه إلى اللغات الحية كالفرنسية والإنجليزية وغيرها، لمد جسور التواصل مع الآخر.

**تُعرف بميلك لنظم “شعر التفعيلة”. لماذا اخترت هذا القالب الموسيقي تحديداً؟ هل تجد فيه مساحة أرحب للحرية مقارنة بالعمودي، أم أنه إيقاع ينسجم مع روح العصر؟**

أنا مع الحداثة ومع اتساع النص وتشعباته واستطالاته. لقد ولى زمن البيت الشعري ذي الشطرين والبحور الخليلية الصارمة بالنسبة لي، ومع احترامي لكل النماذج الكتابية طالما يزينها الجمال، إلا أنني أجد في شعر التفعيلة والنص النثري الفضاء الذي أحلق فيه بحرية، فهو الإيقاع الذي ينسجم تماماً مع روح عصري.

**تجمع بين كتابة القصة القصيرة والمقالات السوسيو-ثقافية. أين يجد يوسف نفسه أكثر: في خيال القصة المحلق، أم في صرامة المقال الذي يحلل الظواهر المجتمعية؟**

الفكرة والموضوع هما اللذان يحددان الشكل الأدبي، وربما اجتمعت في نصوصي الأجناس الأدبية كلها. لكن بشكل عام، أجد نفسي أكثر في الشعر والقصة؛ فهما الأقدر على سبر أغوار النفس البشرية ومعالجة الواقع الثقافي لبيئتي التي ولدتني واحتضنتني.

**شاركت في أمسيات شعرية وحفلات موسيقية بالمغرب. ما هي العلاقة التي تربط نصوصك بالموسيقى؟ وهل تعتبر أن الإلقاء الشعري بمصاحبة الموسيقى يضيف بعداً آخر للنص؟**

النص هو إيقاع الحياة والنفس والروح، ومن لا يعبر عن هذه الأقانيم الموسيقية يكون نصه قاصراً ولا يثير القارئ. الموسيقى المصاحبة للقصيدة تحمل الشاعر والمتلقي إلى عوالم من الروعة والخيال والشفافية، فهي تضيف بعداً وجدانياً يعمق أثر الكلمة.

**لك مقالات منشورة في صحف ومجلات داخل المغرب وخارجه، بالإضافة لقصائد في مواقع عالمية. كيف ترى واقع النشر الثقافي اليوم في ظل هيمنة العالم الرقمي؟**

لقد ساهم الإنترنت في توسيع نطاق النشر، محولاً الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة. أتاحت التطبيقات الرقمية للمبدع فرصة الانتشار والشهرة، وللجمهور الاطلاع السريع والمتابعة، وهذا كله يصب في مصلحة الفعل الثقافي وتطوره.

**كانت لك مشاركة مميزة في برنامج “مشاهد” بالجزائر. حدثنا عن هذه التجربة المغاربية، وكيف كان تفاعل الجمهور والوسط الثقافي هناك مع ما قدمته؟**

تجربة برنامج “مشاهد” في الجزائر من التجارب التي أعتز وأفتخر بها كثيراً. لقد أضافت لي الكثير على مستوى الانتشار والمعرفة، وكان تفاعل الجمهور والوسط الثقافي هناك دافئاً وراقياً، مما عزز لدي الإيمان بوحدة الثقافة المغاربية.

**حصلت على جوائز تقديرية وشواهد من منابر إعلامية وثقافية متعددة. ماذا تمثل لك هذه الجوائز كشاب في مقتبل مساره الإبداعي؟ هل هي تشريف أم تكليف؟**

الجوائز والتقديرات بالنسبة لي هي “تكليف” قبل أن تكون تشريفاً؛ فهي تضع المبدع في موقع لا يمكنه التراجع عنه، بل تحمله مسؤولية كبرى للاهتمام أكثر بنصه وزيادة اطلاعه لينتقل دائماً نحو الأفضل. أنا أعتز بما حصلت عليه، فهو حافز للاستمرار بسوية لائقة.

**ختاماً، ما هي مشاريعك القادمة؟ هل هناك ديوان شعري أو مجموعة قصصية قيد الطبع تلوح في الأفق؟**

نعم، هناك مشاريع أدبية قيد الإنجاز وفي مرحلة التدقيق النهائي لتخرج إلى النور قريباً، وهي تتنوع بين الشعر، القصة، الخواطر، والمقال. وفي الختام، أشكركم وأشكر منبركم الحي والرائع الذي لا يفتأ يسلط الأضواء على الأقلام الجادة. شكراً لكم على عناء هذا الحوار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى