لا.. للمتاجرة في التعليم الجامعي الأهلي الربحي

بقلم / دكتور عبدالله صادق دحلان
بعد رحلة ربع قرن في تأسيس منشأة تعليميَّة جامعيَّة على النظام الربحيِّ، مرورًا بتحدِّيات صعبة جدًّا، نظرًا لأنَّ التعليم الجامعي الأهلي في المملكة لم يصدر له نظام يُشرِّع هذا النوع من التعليم الجامعي الأهلي قبل ٢٥ عامًا، وخوفًا من أنْ يُساء استخدامه، تمَّت الموافقة بعد ذلك على أنْ تُمنَح التراخيص لإنشاء كليَّات جامعيَّة أهليَّة غير ربحيَّة من خلال نظام المؤسسات الخيريَّة، وقد كان قرارًا صائبًا، إلَّا أنَّني أعترفُ اليوم بأنَّني كنت أوَّل المطالبين بأنْ يُفتح المجال لإنشاء كليَّات جامعيَّة أهليَّة ربحيَّة، يُوضَع لها نظام منضبط، وتحت مراقبة وزارة التجارة، ووزارة التعليم، وقد وافقت الدولة قبل خمسة وعشرين عامًا على هذا التوجُّه، وفُتِحَ الباب لرجال الأعمال -وأنا من أوائلهم- لإنشاء إحدى الكليات الجامعيَّة، ثمَّ أصبحت من أوائل الجامعات الأهليَّة الربحيَّة، ثمَّ أنشأت العديد من الكليَّات والجامعات الربحيَّة فيما بعد، وحظيت هذه الكليَّات والجامعات الأهليَّة الربحيَّة بدعمٍ كبيرٍ من جميع أجهزة الدولة، وعلى وجه الخصوص وزارة التعليم من خلال المنح الدراسيَّة، وأمانات المدن بتأجير الأراضي، ووزارة المالية بإعطاء القروض لبعض الكليَّات الجامعيَّة والجامعات، وتفاعل المجتمع بقناعة لإرسال أبنائهم وبناتهم للجامعات الأهليَّة، وتخرَّج عشرات الآلاف في هذه الجامعات التي ربطت التعليم بالتدريب حسب احتياجات سوق العمل، ورغم جميع التحدِّيات، وبعد خمسة وعشرين عامًا، أعترفُ أنَّها مشروعات اقتصاديَّة ناجحة ذات عوائد مجزية للمستثمرين، لكنَّ فِكْر بعض المستثمرين اتَّجه إلى هدف تحقيق الأرباح وتعظيمها وتوزيعها دون النَّظر إلى أهميَّة تدوير أكبر نسبة من الأرباح لتطوير هذه الجامعات، وتطوير التقنية المستخدمة في التعليم، وتطوير واستقطاب الكفاءات الأكاديميَّة والإداريَّة والفنيَّة السعوديَّة والأجنبيَّة، وتطوير بيئة التعليم من بنى تحتيَّة ومبانٍ ذكيَّة وخدمات نوعيَّة، وتخصيص احتياطيات ماليَّة لضمان استدامة الجامعة، وتخصيص نسبة من إجمالي الإيرادات لدعم البحث العلمي والابتكار، وتخصيص منح دراسيَّة كاملة أو جزئيَّة للطبقة غير القادرة على دفع الرسوم الدراسيَّة، أو تخصيص منح دراسيَّة للطلبة الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، أو لبعض أبناء الجاليات الذين حكمت عليهم ظروف بلادهم للهجرة والإقامة في بلادنا، أو المساهمة في دعم البرامج الثقافيَّة في مختلف المجالات، أو المساهمة المجتمعيَّة في دعم الطلبة المتميِّزين والمبتكرين، والحقيقة أنَّ نظام الجامعات الأهليَّة الربحيَّة لم يضع هذه الضوابط على الجامعات الأهليَّة الربحيَّة أو غير الربحيَّة، وترك الحريَّة لمجالس الأمناء ومجالس الجامعات حسب رؤيتهم وقناعتهم، وهو توجُّه مُتميِّز من وزارة التعليم في إعطاء الحريَّة للجامعات الأهليَّة، ورغم أنَّ لبعض الجامعات دورًا بارزًا في برامج المسؤوليَّة الاجتماعية، إلَّا أنَّ ممارسات بعض من الأفراد المستثمرين تؤكِّد عدم إيمانهم بكل هذا، ويُركِّز جُل اهتمامهم على تعظيم تحقيق الأرباح، حتَّى لو كانت على حساب الجودة وتطوير العمليَّة التعليميَّة.