منوعات

هاجر أوحسين: مهندسة الكلمات ترسم خرائط الوعي

من خطوط الهندسة إلى سطور الأدب: هاجر أوحسين تبني عوالم الكلمة

كتب عزت اشرف

في مشهدنا الثقافي العربي، تلوح في الأفق أسماء تجمع بين عوالم تبدو متباعدة، لتبني جسوراً من المعرفة والإبداع. هاجر أو حسين، مهندسة الطبوغرافيا والاديبة والكاتبة المغربية  التي اختارت الكلمة ريشةً لترسم بها عوالم متخيلة، هي إحدى هذه الأسماء الملهمة. من شغف الطفولة بـ”المكتبة الخضراء” إلى عمق التأملات الفلسفية، مروراً بصلابة الهندسة ودقة التعبير، تنسج هاجر أو حسين هويتها الأدبية الفريدة. في هذا الحوار المعمق، نسبر أغوار روحها، ونكتشف كيف يتجاور العلم والفن في مسيرتها، وكيف تصوغ الكلمة أبعاداً جديدة للوعي الإنساني، في رحلة لا تتوقف عن استكشاف المجهول.
بين دقة الهندسة وحرية الأدب: جدلية التداخل الخفي

سؤال: مساركِ التعليمي كمهندسة دولة في الطبوغرافيا، وهو مجال يتطلب دقة ومنهجية، كيف تلاقَت هذه الدقة العلمية مع شغفكِ بالكتابة الأدبية التي غالبًا ما تتسم بالخيال والذاتية؟ وهل ترين أن هناك ترابطًا خفيًا بين هذين المسارين المختلفين ظاهريًا؟
جواب: بصراحة، لم أشعر يومًا بأن هناك رابطًا مباشرًا أو واضحًا بين الهندسة والكتابة. الهندسة، بالنسبة لي، عالم دقيق ومنظم، تحكمه القواعد والمعايير، حيث لا مجال للارتجال أو الخطأ. أما الأدب، فهو فسحتي الخاصة، المساحة التي أتنفس فيها بحرية، حيث يمكنني أن أكسر القواعد، وأعيد ترتيب العالم على طريقتي. قد يقول البعض إن هناك تقاطعًا بين المجالين في ما يخص التفكير المنطقي أو ترتيب الأفكار، وهذا صحيح إلى حدّ ما. لكنني أتعامل مع الأدب كشكل من أشكال التحرر، كوسيلة للهروب من صرامة الحسابات نحو فضاء أوسع للخيال والتأمل. كلا المجالين يتطلب الانتباه للتفاصيل وبناء رؤية من عناصر متفرقة، لكن لكل منهما لغته ومزاجه الخاص.
القراءة كـ”وعي مُتشكّل”: من “المكتبة الخضراء” إلى عمق الفلسفة

: تأثرتِ في بداياتك بـ “المكتبة الخضراء” للأطفال، ثم تطورت قراءاتكِ لتشمل أنواعًا مختلفة. كيف صاغت هذه القراءات المتنوعة هويتكِ الأدبية، وهل هناك كتّاب أو أعمال معينة تركت بصمة عميقة في مسيرتكِ الإبداعية؟
جواب: كانت “المكتبة الخضراء” مدخلي الأول إلى عالم الحكاية. قرأتها بفضول طفل يبحث عن العوالم الممكنة بين السطور. ومع مرور الوقت، بدأت قراءاتي تأخذ منحى أعمق وأكثر تنوعًا: من الرواية إلى الفلسفة، ومن الأدب العربي إلى الأدب الروسي والفرنسي. هذا التدرج لم يكن مجرد توسع في الأنواع، بل رحلة داخلية لصياغة صوتي الكتابي. تأثرت كثيرًا بكُتّاب مثل فيودور دوستويفسكي، الذي كشف لي الصراع الأخلاقي والوجودي داخل الإنسان. كما تركت فيّ أعمال ألبير كامو وفرانز كافكا أثرًا عميقًا في علاقتي بالأسئلة الكبرى، وفي فهمي للعبث والمعنى. كل كتاب قرأته كان بمثابة مرآة جديدة، وكل كاتب أضاء زاوية من داخلي، وساهم في بناء لغتي، ووعيي، وتوجّهي في الكتابة.
حين تفرض الفكرة شكلها: عن حرية النص وولادة “الومضات”

: صدر لكِ “أضغاث أحلام” وهو مجموعة قصص قصيرة جدًا، ثم “كواليا” الذي يضم رؤى وتأملات. ما الذي يحدد الشكل الأدبي الذي تختارينه للتعبير عن أفكاركِ؟ وهل هناك رسالة أو ثيمة أساسية ترغبين في استكشافها عبر هذه الأنوع الأدبية المختلفة؟
في الحقيقة، لا أختار الشكل الأدبي مسبقًا. ما أريد قوله هو ما يفرض عليّ شكله، لا العكس. الفكرة تأتي أولًا، وهي التي تملي اللغة والإيقاع والبنية. أحيانًا تولد الفكرة خاطفة وحادّة، فتأخذ شكل قصة قصيرة جدًا، وأحيانًا تتطلب تأملًا أوسع، فتتحول إلى نص طويل مفتوح على الذات والأسئلة. أنا لا أكتب وفق خطة مسبقة، ولا أحدد مسارًا للنص قبل أن يولد. أترك الكلمات تخرج حين تريد، بالطريقة التي تريد. أحيانًا أمارس الكتابة كتمرين لأكتشف أسلوبًا جديدًا أو أختبر شكلًا لم أعتده، لكن أكثر لحظات الكتابة التي أشعر فيها بالصدق، هي تلك التي أكتب فيها تلبية لنداء داخلي، لا لفرض خارجي. أما من حيث الثيمات، فأنا لا أبحث عن رسالة جاهزة، بل عن شعور، عن سؤال، عن تفصيل صغير يكشف شيئًا خفيًا. أترك مساحة للقارئ ليرى النص من زاويته الخاصة، ويكمل ما لم يُكتب.
مخيم الزيتون: حيث يولد الصوت وتتشابك الأرواح

 كانت لكِ مشاركات في ورشات كتابة إبداعية ومخيم الزيتون للكتابة الإبداعية. كيف ساهمت هذه الورشات والفعاليات في صقل موهبتكِ وتوسيع مدارككِ ككاتبة؟ وما أهمية التفاعل مع كتاب آخرين في مسار الإبداع؟
جوب: كانت مشاركتي في “مخيم الزيتون للكتابة الإبداعية” من أعمق التجارب التي مررت بها، ليس فقط على المستوى الأدبي، بل خاصة على المستوى الإنساني. أن تجد نفسك وسط مجموعة من الشباب المغاربة، كتّابًا وشعراء من مختلف المدن والخلفيات، ويجمعكم نفس الشغف، ونفس الأسئلة، ونفس الحاجة إلى التعبير، هو شعور نادر واستثنائي. كان هناك شيء من السحر في هذه التجربة: أن نعيش في المكان نفسه، نتشارك الوقت، والقراءات، والنقاشات، ونكتب ونصغي لبعضنا البعض دون أحكام. رغم اختلافنا، كان هناك احتفاء بالاختلاف، وصدق في التفاعل. تعرّفت على أشخاص ما زلت على تواصل معهم حتى اليوم، وبعض هذه العلاقات تطوّرت إلى صداقات حقيقية، وصحبة فكرية وإنسانية. الورشات التي أطرّتها الكاتبة سكينة حبيب الله أضافت بُعدًا عميقًا لهذه التجربة. لم تكن تدرّسنا فقط، بل كانت تشاركنا خبرتها بانفتاح وسخاء حقيقي، تصغي إلينا بصدق، وتؤمن بأن لكل صوت خصوصيته وحقه في أن يُسمَع. كانت تقول لنا دائمًا: “كلكم كُتّاب، لا تحتاجون إلى شهادة أو تكوين لتصبحوا كذلك، فقط إلى الصدق مع أنفسكم ومع النص.” هذه الكلمات البسيطة كانت بمثابة دفعة قوية للثقة بالنفس، ورسالة ضمنية بأن الكتابة لا تنبع من التقنيات فقط، بل من الإحساس العميق، ومن الشغف والرغبة في قول شيء مختلف. هذا التفاعل الإنساني هو ما أعاد لي الإيمان بأن الكتابة ليست فقط عملًا فرديًا، بل تجربة جماعية تتغذى من اللقاء والإنصات والمشاركة.
الكتابة: استجابةٌ للروح وفرضٌ للشكل

: تؤمنين بأن الكتابة “تأتي محمّلة بالصوت والشكل اللذين تختارهما لنفسها”. كيف تستشعرين هذا الصوت الداخلي أو الشكل الذي تختاره الكتابة لنفسها؟ وهل مررتِ بتجارب كتابية تفرض عليكِ شكلاً لم تتوقعيه مسبقًا؟
: نعم، مررتُ بتجارب فرضت عليّ شكلًا لم أكن أتوقعه مسبقًا. حين بدأتُ كتابة القصص القصيرة جدًا أو ما يُعرف بـ “الومضات”، لم أكن أملك ربما الشجاعة الكافية للحديث بصراحة ووضوح عن بعض ما يشغلني. كانت الأفكار تُراودني، لكنها كانت تخرج مغلفة، مقتضبة، وكأنها تهمس بدل أن تصرخ. في ذلك الوقت، شعرت أن هذا الشكل السريع والمكثف هو الأنسب لما أريد قوله، أو لما كنت أستطيع قوله. لم يكن قرارًا واعيًا بقدر ما كان استجابة داخلية لما يسمح به الصوت في تلك المرحلة. أما اليوم، فهناك موضوع يشغلني بعمق، يرتبط بتجربة شخصية وإنسانية لا يمكن اختزالها في بضعة أسطر. أجد نفسي بحاجة إلى مساحة أكبر، إلى رواية تمنحني حرية التوسّع، والغوص في التفاصيل، وطرح الأسئلة دون قيد. ليس لأنني تغيرت فقط، بل لأن الفكرة نفسها تُطالب بمساحة أرحب لتُقال كما يجب. أؤمن أن الكتابة تختار شكلها، وأن الكاتب الحقيقي يصغي لما تمليه الفكرة، لا لما يُفضّله هو بالضرورة.
“حديث آخر”: نبض الصحافة بين قيود الزمن وحرية التعبير

 عملتِ في عمود أسبوعي بجريدة ورقية بعنوان “حديث آخر”. ما الفرق بين الكتابة لعمود صحفي والكتابة الأدبية الحرة؟ وهل تفرض الكتابة الصحفية قيودًا معينة على حرية التعبير الإبداعي؟
: بدايتي في الكتابة الصحفية كانت من خلال عمود أسبوعي بعنوان “حديث آخر” في جريدة البيان اليوم. أذكر جيدًا شعوري عندما اقترح عليّ رئيس التحرير أن أبدأ هذا الركن، بعد أن قرأ بعض كتاباتي السابقة. كنتُ أحلم منذ فترة بأن يكون لي فضاء خاص أعبر فيه بحرية، وعندما تحقق ذلك، شعرت بفرح كبير وحافز قوي للاستمرار. الشرط الوحيد كان أن أُسلّم المقال كل أسبوع، وهو ما تطلّب مني انضباطًا والتزامًا دائمين، ودرجة عالية من التفرغ والوعي بالوقت. استمرت هذه التجربة لما يقارب السنة، وكانت بالنسبة لي مدرسة حقيقية في الكتابة المنتظمة، والتفاعل مع القارئ، وتطوير الأسلوب الشخصي. لحسن الحظ، لم أشعر في هذه التجربة بأي تضييق على حريتي أو على اختياراتي الموضوعاتية. على العكس، شعرت دومًا أن الجريدة تؤمن بأهمية دعم الأصوات الشابة، وكانت تترك لي الحرية الكاملة في اختيار المواضيع والصياغة. الفرق بين الكتابة الصحفية والكتابة الأدبية، من وجهة نظري، يكمن في المساحة والزمن والإيقاع. العمود الصحفي يتطلب اختصارًا، مباشرة، وانتظامًا. أما الأدب، فيمنحك حرية التأجيل، والاسترسال، والتجريب. لكنهما يتقاطعان في نقطة جوهرية: الرغبة في إيصال شيء صادق، يُشبهك.
المشهد الأدبي المغربي: البحث عن “المكان الحقيقي” للأصوات الشابة

سؤال: بصفتكِ كاتبة شابة، كيف تصفين أبرز التحديات التي تواجه الكتّاب الشباب في المشهد الأدبي المغربي اليوم، خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى المؤسسات الثقافية الرسمية للنشر؟
جواب: أرى أن التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم لا يتمثل فقط في النشر، بل في إيجاد مكان حقيقي داخل المشهد الأدبي. هناك نوع من الغموض يحيط بكيفية الوصول إلى المؤسسات الثقافية، وكأن الطريق ليس واضحًا أو ليس مفتوحًا للجميع بنفس الشكل. كما أن هناك نقصًا في منصات التكوين والمتابعة التي تساعد الكاتب على النمو، ليس فقط كصوت إبداعي، بل كمشروع أدبي طويل النفس. لكن رغم هذه التحديات، أؤمن أن الأصوات الجديدة تجد دائمًا طريقها بطريقة أو بأخرى، حتى لو خارج القنوات الرسمية. ما نفتقده ليس الموهبة، بل الحاضنة الثقافية التي تثق بهذه الموهبة وتستثمر فيها.
عصر المنصات: بديلٌ أم رافدٌ لواقع النشر الجديد؟

: ذكرتِ أن الكثير من الكتاب الشباب يلجأون إلى منصات التواصل الاجتماعي والمبادرات المستقلة. هل ترين أن هذه المنصات توفر بديلًا فعالًا للنشر التقليدي، أم أنها مجرد حل مؤقت لعدم وجود مساحات كافية؟ وما هي إيجابيات وسلبيات هذا التوجه؟

بالنسبة لي، أرى أن منصات التواصل والمبادرات المستقلة فتحت أبوابًا لم تكن متاحة من قبل، خاصة للكتاب الشباب. هي ليست مجرد بديل مؤقت، بل واقع جديد فرض نفسه، وأعاد تعريف علاقة الكاتب بالقارئ، وبالنص أيضًا. من أهم إيجابيات هذا التوجه أنه يكسر الحواجز التقليدية أمام النشر، ويمنح الكاتب حرية التجريب، وفرصة للوصول المباشر إلى الجمهور دون انتظار موافقة دار نشر أو لجنة قراءة. كما تخلق هذه المنصات تفاعلًا فوريًا، يجعل الكاتب يشعر أن كلماته تُقرأ وتُلامس. لكن في المقابل، هناك أيضًا سلبيات، منها سهولة الوقوع في فخ الاستعجال، والكتابة من أجل “الإعجاب” أو التفاعل، مما قد يؤثر على جودة النصوص أو عمقها. كما أن هذه المنصات لا تضمن دائمًا استمرارية أو اعترافًا أدبيًا حقيقيًا، خاصة إذا لم تترافق مع مشروع إبداعي واضح أو تطوير دائم. بالمجمل، أظن أن هذه المساحات ليست بديلة تمامًا، ولا مجرد حل مؤقت، بل رافد موازٍ للنشر التقليدي، ويمكن أن تتكامل معه إذا أحسنّا استثمارها وتوجيهها نحو تطوير المحتوى لا فقط ترويجه.
تفعيل الحاضنة: كيف يمكن للمؤسسات الثقافية أن تدعم “جيل الكلمة”؟

: ما الذي يمكن للمؤسسات الثقافية، الرسمية وغير الرسمية، أن تفعله لدعم الكتّاب الشباب وضمان وصول إبداعاتهم إلى جمهور أوسع، دون المساس بحريتهم الإبداعية؟
: لضمان دعم فعّال للكتّاب الشباب دون المساس بحريتهم الإبداعية، ينبغي على المؤسسات الثقافية، الرسمية وغير الرسمية، أن تعمل على تبسيط إجراءات النشر وتوفير منصات مخصصة للأصوات الجديدة تتيح لهم التعبير بحرية دون رقابة أو وصاية. كما يمكنها تنظيم ورشات وملتقيات منتظمة تخلق مجتمعات أدبية حيوية وتعزز التبادل بين الكتّاب. دعم المبادرات المستقلة والمشاريع الإبداعية البديلة (كالنشر الرقمي، الترجمة، البودكاست…) يُعدّ كذلك خطوة مهمة لتوسيع دائرة الوصول. والأهم من ذلك، هو احترام تعدد الرؤى وحماية حرية التعبير، لأن الكاتب الشاب لا يحتاج سوى إلى فرصة ومساحة آمنة ليجرب، يخطئ، ويكتشف صوته الخاص.
الأدب الرقمي: “الكلمة” في زمن التحول وأنماط القراءة الجديدة

: في ظل التطورات السريعة في العصر الرقمي وتغير أنماط القراءة، كيف ترين مستقبل الكتابة الأدبية الشابة؟ وهل تعتقدين أن الأدب الرقمي أو التعبيرات الإبداعية عبر الوسائط الحديثة قادرة على إحداث تأثير وتغيير حقيقي في المجتمع؟

: في رأيي، مستقبل الكتابة الأدبية الشابة يرتبط اليوم بشكل وثيق بالوسائط الرقمية، التي لم تعد فقط وسيلة للنشر، بل أصبحت فضاءً إبداعيًا قائمًا بذاته. هذه المنصات منحت الكتاب الشباب فرصة للوصول إلى جمهور واسع دون المرور بالوسائط التقليدية التي قد تكون أحيانًا مغلقة أو انتقائية. نعم، أعتقد أن التعبيرات الأدبية عبر الوسائط الحديثة—سواء من خلال النصوص التفاعلية، البودكاست الأدبي، الفيديوهات أو حتى التدوينات القصصية—قادرة على إحداث تأثير حقيقي، لأنها أكثر قربًا من الناس، وتُخاطب جيلاً يعيش أغلب وقته في هذا العالم الرقمي. لكن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على العمق الأدبي وسط هذا الزخم وسرعة الاستهلاك، لأن الإبداع الحقيقي لا يتنازل عن الجودة مهما تغيّرت الوسائط.
الأدب كـ”صدى للروح”: تحول فردي يقود لتغيير جماعي

: تؤكدين أن “الأدب لا يموت، بل يتكيّف ويتطوّر”، وأنه “ليس من الضروري أن يحمل رسالة دائمًا، ولا أن يغيّر العالم، أحيانًا، يكفي أن يحرّك الأدب مشاعر أحدهم، أو يدفعه إلى التفكير بطريقة مختلفة”. هل هذا يعني أنكِ تؤمنين بأن قيمة الأدب تكمن في تأثيره الفردي العميق أكثر من كونه أداة للتغيير الجماعي المباشر؟
جواب: نعم، أؤمن بأن قيمة الأدب الحقيقية لا تُقاس فقط بقدرته على إحداث تغيير جماعي مباشر، بل تكمن قبل كل شيء في أثره الفردي العميق. حين يلامس الأدب فردًا ما، ويحرك شيئًا في داخله، أو يفتح له أفقًا جديدًا للتفكير أو الإحساس، فهذا وحده يمكن أن يكون فعلًا تحويليًا. لأن التغيير الحقيقي، في نظري، يبدأ من الإنسان ككيان مستقل، ككائن واعٍ يتفاعل مع العالم من حوله. وعندما يصبح لدينا أفراد—أو “كيانات” كما أحب أن أسميهم—يفكرون بشكل مختلف، ويطرحون الأسئلة، ويشعرون بعمق، فحينها فقط يصبح التغيير الجماعي ممكنًا. فالأدب لا يحتاج بالضرورة إلى أن يحمل شعارات كبيرة أو رسائل واضحة، أحيانًا يكفي أن يترك صدًى داخليًا، لأن هذا الصدى هو بداية كل تحوّل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى