رأي

ملحمة توحيد ورحلة بناء: عبدالعزيز آل سعود.. قائد وحّد الأرض وصنع المجد

كتب : محمد قنديل

في كل أمة رجال تصنع أقدارها، وتكتب بمدادالعزم صفحات عزّها ومجدها. وفي تاريخالجزيرة العربية يسطع اسم الملك الموحَدعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعودرحمهالله، ذلك القائد الذي جمع شتات الأرضوقلوب أبنائها تحت راية التوحيد، ليؤسسدولة العزّ والشموخ، المملكة العربيةالسعودية، في ملحمةٍ تاريخية صنعتالتحول الأكبر في مسار المنطقة، وألهمتالأجيال بقدوة راسخة ورؤية نافذة. واليوم،ونحن نحتفي باليوم الوطني، نستعيد ذكرىذلك الإعلان التاريخي في 23 سبتمبر1932م، الذي لم يكن مجرد إعلان لدولة، بلميلاد أمةٍ وبداية نهضةٍ مستمرة.

ملحمة التوحيد

قبل أكثر من ثمانية عقود، كانت الجزيرةالعربية تعيش واقعًا صعبًا يطغى عليهالتناحر القبلي. طرقٌ غير آمنة، وشتات لايطمئن، وحياة قاسية تتنازعها الحروبالصغيرة. في هذا المناخ العسير، برز الملكعبدالعزيز بعزيمة من حديد، نذر نفسهللجهاد والتوحيد، وسار بخطى ثابتة حتىأرسى دعائم وطن آمن مطمئن. ونشأت آنذاكدولةً فتيةً تزهو بتطبيق شرع الإسلام،وتصدح بتعاليمه السمحة وقيّمه الإنسانيةفي كل أصقاع الدنيا، ناشرةً السلام والخيروالدعوة المباركة، باحثةً عن العلم والتطورسائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضللشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع. لقدنجح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعودرحمه الله أن يوحّد القلوب قبل أن يوحّدالأرض، وأن يجعل من راية التوحيد دستورًاجامعًا، يلتف حوله الجميع إيمانًا وولاءًوانتماءً.

قائد فذ

كان الملك عبدالعزيز صاحب شخصية آسرة،يجمع بين الحزم والرحمة، بين الهيبةوالبساطة. دخل القلوب بصدقه، وأسرالأنظار بحكمته، فأحبه شعبه وأخلصوا له. وكان يرى في العلماء قوام الأمة وعصبها،يقدمهم في مجلسه ويستشيرهم، مدركًا أنالعلم هو الركيزة التي تُبنى عليهاالحضارات. واهتم الملك عبدالعزيز بتطويرالبلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويلاسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجدوملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية،وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق23 سبتمبر 1932م. وقد استطاع بفضل ماوهبه الله من بعد نظر أن يضع لبنات الدولةالحديثة، وأن يؤسس لنظام سياسي وإداريمتين، يحفظ الأمن ويصون الحقوق ويحققالعدالة، لتصبح المملكة الوليدة نموذجًايُحتذى في العالم الإسلامي والعربي.

معالم نهضة

لم يكن همّ الملك عبدالعزيز توحيد الأرضفحسب، بل كان يرى أن بناء الدولة لا يكتملإلا بتنمية الإنسان والمكان. فوجه جهودهلتطوير الحرمين الشريفين وتوسعةمرافقهما، وتوفير كل السبل لخدمة قاصديبيت الله الحرام من حجاج ومعتمرين. وفتحأبواب التعليم بإنشاء المدارس، وبنىالمستشفيات لرعاية صحة المواطنين، وعملعلى إصلاح التربة وتوطين البادية لتتحولحياة الترحال إلى استقرار ونماء.

وحرص الملك عبد العزيزرحمه اللهأثناءحياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعهاعلى الناس عامة، وطلبة العلم خاصة فيداخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعضالمؤلفين على الاستمرار في نشاطهم العلمي،من خلال شراء نسخ عديدة من الكتبالمطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.

وجاءت اللحظة الفارقة عام 1933م، حين بدأتعمليات التنقيب عن النفط في أراضيالمملكة، لتنقلب الموازين، ويخرج الذهبالأسود من باطن الصحراء فيحوّلها إلى مركزحيوي يعج بالعمال والمهندسين والخبراء،ويكون فاتحة خير لمسيرة تنمية شاملة لمتتوقف حتى اليوم.

أفق واسع

لم ينشغل الملك عبدالعزيز بالداخل فقط، بلانطلق برؤية واسعة نحو الخارج، فاعتمدسياسة دبلوماسية متوازنة تحافظ علىاستقلال القرار الوطني، وفي الوقت ذاتهتبني جسور التعاون مع الدول. وكان منأوائل الداعين إلى التضامن العربي والعملالمشترك، فشارك في تأسيس جامعة الدولالعربية، وأسهم بدور فاعل في تأسيسمنظمة الأمم المتحدة، لتكون المملكة منذبداياتها صوتًا حاضرًا وفاعلًا في المجتمعالدولي. وسجّل التاريخ للملك عبدالعزيزمواقف مشهودة في قضايا المنطقة والعالم،عززت مكانة المملكة ورسخت حضورها بينالأمم.

إرث خالد ومسيرة متجددة

رحل الملك عبدالعزيزرحمه الله في مطلععام 1373هـ، بعد أن ترك إرثًا خالدًا يتجاوزحدود المكان والزمان. دولة قامت علىالتوحيد، وأمة تنعم بالأمن، ووطن يعيش في ظلال العزة والكرامة. وسار أبناؤه الملوكالبررة من بعده على النهج ذاته، مضيفينإلى ما بناه الملك الموحد لبنات جديدة منالتنمية والتقدم. لتعيش المملكة اليوم عهدخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بنعبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأميرمحمد بن سلمانحفظهما الله عهدالاستدامة والنمو والتطور، ويشهد الشعبالسعودي  قفزات كبيرة وخطوات غيرمسبوقة في جميع المجالات داخليًا وخارجيًا،رسمت ملامح المملكة، وأرست دعائم مكانتهاالسياسية والاقتصادية والثقافية، ورسختدورها المؤثر في الاقتصاد العالمي، كونهاقائمة على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة،جعلتها ضمن أقوى 20 اقتصادًا علىمستوى العالم. ومع كل يوم وطني جديد،يحتفل السعوديون بمنجزاتهم وهم يرفعونراية العزّ والفخر، مجددين العهد علىمواصلة المسيرة، وباعثين الأمل في مستقبلٍيليق بتاريخهم المجيد وطموحاتهماللامحدودة، في ظل قيادة حكيمة سارتبالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى