سياحة و سفر

تظليل صحن الطواف.. بين الفكرة والتطبيق

د.عبدالله صادق دحلان

 

في السنوات الأخيرة، أصبحت درجات الحرارة في مكَّة المكرَّمة تتجاوز حاجز الـ45 درجة مئويَّة في بعض أيام العُمرة والحجِّ، وهو ما شكَّل تحدِّيًا كبيرًا للحجَّاج والمعتمرين، خاصَّةً في منطقة المطاف المكشوفة، التي تُعدُّ قلب الحرم المكيِّ، وأشد نقاطه ازدحامًا، فقد سجَّلت تقارير الأرصاد في موسم حجِّ 1445هـ حرارة وصلت إلى 51.8 درجة مئويَّة داخل المسجد الحرام، الأمر الذي يثير التساؤلات حول جدوى إدخال حلول هندسيَّة مبتكرة، من أبرزها فكرة تظليل المطاف، على غرار المظلَّات العملاقة في المسجد النبويِّ، الذي قدَّم نموذجًا هندسيًّا ناجحًا عبر 250 مظلَّةً متحرِّكةً تُغطِّي مساحة تتجاوز 143 ألف متر مربع؛ ممَّا ساهم في خفض درجات الحرارة في الساحات، وتوفير بيئة مريحة للزوَّار والمصلِّين، هذا النموذج يُظهر إمكانيَّة تطبيق تظليل مبتكر وقابل للفتح والإغلاق في مناطق عالية الكثافة، مثل المطاف، مع الحفاظ على الطابع الروحانيِّ ورُؤية الكعبة المشرَّفة دون عوائق .

وبحسب بيانات الهيئة العامَّة للإحصاء، استقبل موسم حجِّ 1446هـ أكثر من 1.67 مليون حاج، بينهم 1.5 مليون من خارج المملكة، أمَّا في العمرة، فقد بلغ مجموع المعتمرين في عام 2024م حوالى 35.8 مليون معتمر، شكَّل السعوديون نسبة مقدارها 13.3% من إجمالي المعتمرين، فيما وصلت نسبة غير السعوديِّين إلى 86.7%، هذه الأعداد الضخمة تؤكِّد أنَّ أيَّ حلول إنشائيَّة أو جديدة يجب أنْ تراعي انسيابيَّة الحشود، وسلامتهم في المقام الأول.

إنَّ فكرة تظليل المطاف، سيحقق مجموعة من الفوائد المباشرة للحجَّاج والمعتمرين أهمها: الحماية من الإجهاد الحراري، والتقليل من التعرُّض المباشر لأشعة الشمس؛ ممَّا يُخفِّض معدَّلات الإصابة بضربات الشمس، والتي هي من أبرز التحدِّيات الصحيَّة في مواسم الحجِّ، وبالتالي يُخفِّف الضغط على مراكز وفرق الإسعاف داخل الحرم، ويساعد على انسيابيَّة الحركة، بالإضافة إلى توفير بيئة أكثر راحة، تُمكِّن الطائفين من التركيز على عبادتهم بعيدًا عن معاناة الحرارة الشديدة، ما يرفع من خشوعهم ورضاهم الروحيِّ .

ومع أهمية الحفاظ على الطاقة الاستيعابيَّة للمطاف، والتي تصل إلى 105 آلاف طائف في الساعة، وعدم التأثير على انسيابيَّة الحركة أو المشهد البصريِّ للكعبة المشرَّفة، فإنَّني أجزمُ أنَّ التطوُّر الهندسي الحالي يتيح حلولًا مرنةً، مثل المظلَّات الذكيَّة القابلة للطَّي، أو الأسقف السحابيَّة المتحرِّكة، التي يُمكن تشغيلها أو سحبها حسب الحاجة، مع وجود حلول للتهوية والتبريد ورشاشات رذاذ الماء. بين الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، والتجارب العالمية الناجحة، والتحدِّيات المتنامية في إدارة الحشود، تبدو فكرة تظليل المطاف خطوة تستحق الدراسة الجادة من جميع الجوانب، الشرعية والهندسية والتشغيلية، الهدف ليس مجرد إضافة مظلات ورفاهية، بل هو امتداد لمسيرة المملكة في خدمة زوَّار الحرمين الشريفين، والعناية بصحتهم عبر توفير بيئة أكثر أمانًا وراحة لملايين الحجَّاج والمعتمرين، وتؤكِّد أنَّ خدمة الإنسان في أقدس بقاع الأرض تظلُّ الاستثمار الأسمَى والأبقَى، مع الحفاظ على قدسيَّة المكان وخصوصيته الروحيَّة، ويدخل هذا المشروع تكملةً لمشروعات الملوك السابقين منذ عهد المؤسِّس، وحتَّى اليوم في تطوير وتوسيع الحرمين الشريفين.

متمنِّيًا أنْ يتحقَّق هذا المشروع في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، ويُسمَّى باسمه مشروع الملك سلمان لتظليل وتبريد الطواف حول الكعبة المشرَّفة، وسيكون أهم مشروع لتطوير الحرم المكي على مر العصور .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى